تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح لمعة الاعتقاد
193222 مشاهدة
وصية ابن مسعود في اتباع طريق الصحابة طريق الهدى المستقيم

يقول المؤلف رحمه الله: وقد أمرنا باقتفاء آثارهم والاهتداء بمنارهم أمرنا باتباعهم لأنهم أعرف بالقرآن وبما جاء فيه ذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا اختارهم الله لصحبة نبيه ولحمل دينه فاعرفوا لهم حقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ومعناه من كان متبعا ومقتديا فليقتد بالصحابة الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه فهذا معنى أنا أمرنا باقتفاء آثارهم.
وروي أيضا عنه أنه قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم أي اتبعوا غيركم وسيروا على نهج من سبقكم يعني الصحابة رضي الله عنهم الذين تقبلوا ما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم ما بلغهم به من القرآن، وما بلغهم به من السنة.
فهؤلاء حقا هم الذين أمرنا باتباعهم والاهتداء بمنارهم سيرتهم وسنتهم كأنها المنارات؛ يعني في ارتفاعها. المنار: كل شيء مرتفع كأن عليه نور يؤمه من رآه بعيدا من عرفهم؛ يعني طريقهم الذي أناروه بالعلم والذي يراه من يريد أن يقتدي به مستنيرا يبصره من بعيد فعليه أن يقتدي به ويتبعه.
وحذرنا المحدثات: يعني حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات وأخبرنا أنها من الضلالات (المحدثات) هي البدع؛ البدع ضلالات من اتبعها فإنه ضال مضل استدل على ذلك بهذا الحديث المشهور.
وهو حديث صحيح مروي أي مسند وفي السنن مشتهر عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
ومعنى عليكم بسنتي أي الزموها والسنة هي الطريقة سنة النبي صلى الله عليه وسلم طريقته التي سار عليها وليس المراد السير بالأقدام وإنما السير بالأعمال؛ أي سيروا عليها بأعمالكم وتمسكوا بها اعملوا مثل عملي.
يحضهم على أن يعملوا مثل عمله وأن يقولوا مثل قوله وأن يعتقدوا ما دل عليه وما أرشد إليه من الاعتقاد ومن الأعمال ومن الأحكام؛ فإنها كلها من سنته وسنته أيضا الأحاديث التي تكلم بها والأعمال التي قالها أو فعلها فإنها أيضا من سنته قوله وعمله يعتبر من سنته.
ومعنى (عليكم بسنتي) خذوها الزموها سيروا عليها انهجوا نهجها فكأنه قال خذوا عني ما أقوله لكم اقبلوا مني ما أقوله لكم وقد أمرنا الله تعالى باتباعه والاقتداء به فقال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ هكذا أخبر بأن اتباعه سبب لمحبة الله اتباعه يعني السير على نهجه والعمل بما جاء به وتقبل شريعته.
وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اتبعوه يعني تقبلوا ما جاء به عملا واعتقادا وحذر الله تعالى عن ترك سنته وترك أمره قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
يقول الإمام أحمد أتدري ما الفتنة الفتنة الشرك لعله إذا رد شيئا من قوله أو إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزلل فيهلك فهذا هو السر في الأمر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسيرته.
وأما الخلفاء الراشدون: فإنهم الذين قاموا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بولاية الأمر الذين خلفوه واتفقت أئمة السنة على أن الأربعة من الخلفاء الراشدين أولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .
ولا عبرة بخلاف الرافضة الذين يدعون أن الخلفاء الثلاثة مغتصبون ويكفرونهم ويكفرون الصحابة الذين بايعوهم والذين أقروهم في زعمهم أنهم كتموا الوصية.
اتفق الصحابة رضي الله عنهم على مبايعة أبي بكر وسموه خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدعونه يا خليفة رسول الله، ولم يتخلف أحد منهم.
ولا شك أن عليا رضي الله عنه من جملة من بايع؛ ولأجل ذلك كان ينفذ الحدود وكان يمتثل الأوامر فهو ممن اعترف بخلافة أبي بكر ثم تمت البيعة بعد أبي بكر لعمر رضي الله عنه، ولما تمت البيعة لا شك أن عليا صار مع الصحابة على أنه خليفة ووافق على خلافته.
وكذلك بعد عمر بايعوا عثمان رضي الله عنه ولا شك أن منهم عليا عرف أنه أحق بالخلافة وأن فضائلهم رضي الله عنهم فلا يجحدها إلا منكر لا يجحدها، إلا جاحد لا يجحدها إلا معاند، من أراد ذلك يطلع على فضائل الصحابة للإمام أحمد وكذلك يطلع على ما ذكر في فضائلهم في كتب الأئمة كالصحيحين والسنن ونحوها.
فالحاصل أن الخلفاء الراشدين هم الخلفاء الأربعة وألحق بعض العلماء بهم عمر بن عبد العزيز وذلك لأنه سار على نهجهم واتبع طريقتهم ومدح الخاص والعام حتى الرافضة اعترفوا بخلافته.
وذلك لأنه الأئمة قبله في العراق ونحوه كانوا يسبون عليا وهو لما استولى أبطل سبه؛ فلذلك يحبه الرافضة والحاصل أنه ولو كانت خلافته قصيرة، ولكن عاد بها إلى سيرة الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم راشدين (والرشد) هو السداد والاستقامة وضده الغي.
قال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا (فالغي) ضد الرشد (الراشد) هو المستقيم (الراشد) هو المستن بالسنة السوية (الراشدون) هم الذين على غاية من الرشاد من الرشد وصفهم بأنهم مهديون أي قد اهتدوا فهم على هداية وضد الهداية الضلالة أيضا وضدها الضال هو ضد المهتدي.
وقد أمرنا الله تعالى بأن نتعوذ من طريقة الضالين لقوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (فالمهتدون) هم الذين صاروا على هدي من الله وهذه تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم للخلفاء أنهم خلفاء خلف عنه وأنهم على رشد وأنهم على هدى فمن سبهم أو عابهم فإنه على ضلال.
قوله: عضوا عليها بالنواجذ يريد بذلك السنة سنته وسنة خلفائه عضوا عليها بالنواجذ تمسكوا بها تمسكوا بها بأيديكم كأنها شيء محسوس وإذا خفتم أنها تتفلت فعضوا عليها بأقاصي الأسنان؛ النواجذ: هي الأسنان القصوى أي لشدة تمسككم بها.
قد دل على ذلك أيضا من القرآن قول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا اعتصموا به يعني تمسكوا به فالاعتصام بالشيء هو التمسك به والقبض عليه بكل قوة فكأنه يقول إن هناك من يزعزعكم ومن يشككم في هذه السنة ومن يرد عليكم شبهات.
فإذا جائتكم تلك الشبهات فلا تلتفتوا إليها فإنها لا تضركم إذا كنتم متمسكين بهذه السنة تمسكا قويا قد قبضتم عليها بأيديكم زيادة على ذلك، قبضتم عليها بأسنانكم حتى لا يزعزعكم عنها أولئك المكذبون وأولئك المبتدعون بشبهاتهم، ولا فتنهم الذين يحاولون أن يضروكم ويضلوكم فمن كان متمسكا بها فلا تضره تلك الشبهات؛ وأما من كان على شفا جرف فسريعا ما يتهلك، وسريعا ما يترك السنة ويعدل إلى البدعة.
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع، حذر من البدعة في قوله: وإياكم ومحدثات الأمور (المحدثات) البدع التي حدثت بعد أن لم تكن من السنة، من الذي أحدثها؟! أحدثها المضللون أحدثها المبتدعون، لا شك أنهم أحدثوها لأجل أن يضلوا الناس، فنقول: إنكم متى تمسكتم بهذه السنة لا تضركم تلك المحدثات؛ لأن من عرف السنة عرف البدعة من عرف الحق فعرف ضده وهو الباطل.