شرح لمعة الاعتقاد
قول الإمام أحمد في أحاديث الصفات
نقل بعد ذلك كلاما عن الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل اسم> -رضي الله عنه- وهو إمام أهل السنة لما سئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> إن الله ينزل إلى سماء الدنيا متن_ح> رسم> و رسم> أن الله يرى يوم القيامة رسم> كان من معتقده إثبات النزول، وأن الله تعالى ينزل كما يشاء بلا كيف، ولا نقول كيفية نزوله كنزولنا بل ينزل كما يشاء كما ثبتت الأدلة بذلك عن جماعة من الصحابة، وكذلك أيضا أنه يرى في الآخرة أن الله تعالى يتجلى لعباده في الجنة ويرونه كما يرون الشمس وكما يرون القمر ليلة البدر والأحاديث التي في الصفات، في مثل هذا يقول الإمام أحمد اسم> -رحمه الله- نؤمن بها ونصدق بها، ومعنى ذلك: أنا نعتقد ثبوتها لأنها مروية بالأسانيد الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فنعتقد صحتها وثبوتها ونصدق بما دلت عليه، نصدق أنها دالة على صفات حقيقية، على أن النزول حقيقي كما يشاء الله تعالى وليس كنزول المخلوقين من مكان عال إلى مكان أسفل منه، ونصدق برؤية الله تعالى بأنه يتجلى لعباده وأنهم يرونه عيانا بأبصارهم.
وكذلك بقية الأحاديث نؤمن بها ولا نكيفها. من قوله: لا كيف ولا معنى -أي- لا نقول كيف هي لا نسأل عن كيفيتها فإن الكيف مجهول ولا نقول: إنها تدل على ما يدل عليه النفع في صفات المخلوقين لا نشبهها بصفات المخلوقين؛ بل نقول إنها صفة أثبتها الله تعالى لنفسه فنحن نثبتها له ونكل كيفيتها إلى الله تعالى؛ لكن نعرف أن لها معنى فنعرف أن سمع الله يدل على أنه يسمع الأصوات، ونعلم أن رؤيته تدل على أنه يرى الأشياء -الأشخاص- ويرى المرئيات، ونعلم أنه يثيب -يثيب عباده- وأنه يحب من اتقاه وأطاعه، وأنه كما يشاء يرضى عن عباده المؤمنين ويغضب على الكافرين، وأن من آثار رضاه أنه يثيب هؤلاء ومن آثار غضبه أنه يعاقب من غضب عليهم وما أشبه ذلك، فهذا ما عليه سلف الأمة كلهم والأئمة المقتدى بهم، وأما من خالفهم من غيرهم فلا يقتدى بما يقولونه، فأهل التحقيق من السلف ومن الخلف وكبار العلماء على هذا على أن الله سبحانه وصف نفسه بصفات، وأن تلك الصفات حقيقية، وأن الله تعالى أثبتها لنفسه كما أثبتها له نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا نرد شيئا منها: لا نرد شيئا من الآيات ولا من الأحاديث بل نقبلها ونسلم بمدلولها ونشهد بأنها دالة على حق، ونعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يأتي إلا بحق وبصدق، ونعلم أيضا أن الله تعالى لا يثبت لنفسه إلا الشيء الصحيح الذي لا مرية فيه ولا ريب فيه. فإذن يلزمنا تقبل كل ما جاءت به الأحاديث وكل ما ثبتت به السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن من ترك شيئا منها فقد رد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورد على الرب سبحانه وتعالى؛ وذلك ينافي تقبله للرسالة، الذين يأخذون بعض الأحاديث ويردون بعضها يصدق عليهم أنهم يقولون رسم> نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ قرآن> رسم> وهذا من الضلال، كيف يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؟ يؤمنون بما تدركه عقولهم ويكفرون بغير ذلك بما لا تصل إليه أفهامهم في زعمهم، فيكونون قد ردوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ردوا عليه بعض شريعته وبعض سنته.
فنحن نقبل كل ما جاء به ونقول إنه حق، جاءنا بالقرآن فهو حق، وجاءنا بالسنة فهو حق، نقبلها فيما يتعلق بالعقائد، ونقبلها فيما يتعلق بالأحكام، ولا نقول إنها مقبوله في الأحكام مردودة في العقائد كما يقوله هؤلاء المعتزلة والأشعرية ومن أشبههم، لا نصف الله تعالى بصفات من قبل أنفسنا؛ بل إنما نصفه بما وصف به نفسه وبما أثبته له، ولا نحد صفاته -يعني- كما يحدها المشبهة، هذا معنى قوله: بلا حد ولا غاية الحد: هو التعريف الذي يحدد الصفة. نقول: إن السمع: هو التمييز بين الأصوات أو معرفة ما يدل عليه الصوت. وأما تحديد صفة السمع لله تعالى بأنه يسمع بجارحة أو يسمع بكذا وكذا أو يدخل السمع في الأذن أو ما أشبه ذلك دخول الكلام فإننا لا نتدخل في ذلك، فإن هذا من التدخل في علم الغيب، ولا نقول غاية الأمر يصل إلى كذا وكذا، رسم> لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> لا يماثله شيء من المخلوقات، وهو السميع الذي يسمع كل شيء كما يشاء، والبصير الذي يبصر كما يشاء.
ونقول كما قال: يعني: كما قاله الله تعالى في حق نفسه، ونصفه بما وصف به نفسه وبما وصفه به نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الصفات التي ثبتت، لا نتعدى ذلك، ولا نثبت شيئا من الصفات بأنفسنا، نقول: لا يبلغه وصف الواصفين -يعني- لو وصفه أحد من قبل نفسه فإنه لا يقدر على أن يعطيه الصفات التي يستحقها؛ إنما صفاته متلقاة عن كلامه وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
نؤمن بالقرآن كله مجمله ومتشابهه محكمه ومتشابهه، نؤمن بالقرآن كله، الله تعالى ذكر أن في القرآن رسم> آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ قرآن> رسم> فنؤمن بالمحكم وبالمتشابه، ونقول في المحكم نعمل به ونعرف ما يدل عليه، وفي المتشابه نعرف ألفاظه ونعرف معانيه من حيث الإجمال، وأما تكييفه فإنه محجوب عنا.
ولا نزيل عن الله تعالى صفة من صفاته لشناعة شنعت: أهل الزيغ يشنعون -يعني- يعيبون على أهل الإثبات، فيقولون: إنكم قد شبهتم، وإنكم مشبهة، فنقول: لا نلتفت إلى تشنيعكم ولا يغرنا كلامكم.
ذكروا أن من جملة المعتزلة الزمخشري اسم> صاحب الكشاف لما كان يسمع أهل السنة يقولون: إن الله تعالى يرى بلا كيف، وأنه ينزل بلا كيف، ويجيء بلا كيف، وأنه يسمع بلا كيف، قال: إنكم مشبهة، وهجاهم بقوله في قصيدة له:
قـد شبهـوه بخلقـه فتخوفـوا | شنـع الـورى فتسـتروا بالبلكفـة |
فلا نزيل عن الله تعالى صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث أي نقتصر على دلالتهما، ولا نأتي بأشياء من قبل أنفسنا فلا نصف الله تعالى بصفات مبتدعة من قبل أنفسنا؛ بل نقول إن صفاته كلها متلقاة عن الوحيين عن الكتاب والسنة، والعقول ليس لها أن تتدخل في أسمائه وفي صفاته؛ وإنما يقتصر على ما جاء عنه في كتابه وعلى لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا نعلم كنه ذلك، الكنه: هو حقيقة الشيء وماهيته وما هو عليه، لما أن بعضا من اليهود تجرءوا وقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن ربك أهو من لحم أو من عظم أو من ذهب أو من فضة؟ فعند ذلك أنزل الله تعالى سورة الإخلاص، أو قرأ عليهم سورة الإخلاص في قوله: رسم> قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قرآن> رسم> فأخبر بأنه أحد، وبأنه صمد، ونفى عن نفسه هذه النقائص، فدل على أنه لا يجوز أن يتدخل أحد في تكييف كنه ذلك -كنه الله وصفات الله تعالى ولا كنه ذاته ولا كنه أفعاله-؛ بل كل ذلك يعتمد على تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى تصديق القرآن.
هذا مما دل عليه في هذه المقدمة، ونعد نمشي على هذا -إن شاء الله- في الأيام القادمة نعرف أن هذه العقيدة عليها شروح متأخرة فعليها شرح للشيخ محمد بن عثيمين اسم> وعليها شرح لنا أو شرحان، الشرح الأول اسمه: التعليقات، والشرح الثاني أوسع منه اسمه: الإرشاد في شرح لمعة الاعتقاد، وكلها مطبوعة، وشرحنا -هاهنا- يكون شرحا متوسطا -إن شاء الله-. نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة..
مسألة>