إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
شرح لمعة الاعتقاد
271817 مشاهدة print word pdf
line-top
التسليم لقضاء الله وعدم السؤال عن فعل الله

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ كل ما يفعله فإنه بقضاء وقدر، ولا يسأل، لا يقال في أفعال الله تعالى: لماذا؟ كما لا يقال في صفاته: كيف وكيف، لا يجوز أن يسأل عن صفاته، ما كيفية سمعه؟ ما كيفية بصره؟ ما كيفية كلامه ما كيفية مجيئه؟ لا يسأل.
وكذلك لا يجوز السؤال بكلمة لماذا في أفعاله تعالى، بل لا يفعل شيئا إلا لحكمة وإن خفيت علينا، فلا يجوز أن يقال إن هذا لا يستحق أن يكون غنيا، إن هذا لا يستحق أن يكون شقيا، ولا يعترض على الله تعالى في تصرفه، ولا يقال: هذا قد ظلمه الله؛ حيث أفقره وحيث أمرضه، فقد أخطأ الله تعالى.
لا يجوز أن يقال ذلك، تعالى الله! بل كل ما قدره وكل ما أمر به فإنه عين المصلحة.
ولو لم تظهر لنا الحكمة، فهذا معنى قوله: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ لا في الأفعال ولا في المخلوقات، فلا يقال: لماذا خلق الله السباع التي تفترس الدواب، خلقها خطأ؛ لا فائدة فيها، أو فيها مضرة. هذا اعتراض على الله تعالى، اعتراض على تصرفه. فلا يجوز أن يعترض عليه في تصرفه.
كذلك أيضا لا يجوز أن يقال: لماذا خلق الله الحيات والعقارب والهوام، خلقها ضرر لماذا خلق الله الحشرات لماذا خلق الذباب وخلق البعوض وخلق الضبع ونحوه، إن خلقه ضرر، إنه لا فائدة فيه. الجواب: أن هذا كله اعتراض على الله، واعتراض على تصرفه، واعتراض على تقديره، فإنه ما خلق شيئا إلا لحكمة، ولو لم يكن إلا الاعتبار وبيان أنه خالق كل شيء، وبيان عظيم قدرته فإن فيها آيات بينات في كل شيء خلقه الله من صغير أو كبير سواء ظهرت لنا حكمة ذلك أو خفيت علينا.
فأنت مثلا لو تأملت في خلق الذرة هذه الذرة الصغيرة التي من أصغر المخلوقات، لو تأملت وتفكرت في خلقها؛ لرأيت فيها عجائب؛ حيث إن لها سمعا، أين سمعها؟ ولها عينان، وأين عيناها؟ مع صغرها، ولها بطن ولها أمعاء تأكل وتهضم الطعام ثم تخرجه، ولها أيضا عروق يمشي فيها هذا الطعام، ولها أيدي مشاهدة، وأرجل ومفاصل وعظام، ومع ذلك فإنها في غاية الحقارة والصغر؛ الذي خلقها ودبرها لا شك أنه على كل شيء قدير؛ حيث ألهمها رزقها، وجعل لها قوتها وخلق لها قوتها، وعلمها كيف تتوالد، وكيف تتناسل، وألهمها ما فيه منفعة لها مع صغرها، كيف تتعلم، في ذلك آيات وعجائب.
كذلك مثلا البعوضة الناموسة قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا البعوضة هذه المخلوق الصغير أنبت الله له أجنحة وأيدي وأرجلا، وجعل له أمعاء، وألهمه وجعل له بصرا يخرق، أو يبصر الأشياء البعيدة، قد يكون بصره أقوى من بصر كثير من المخلوقات.
فهذا لا يجوز أن يقال: لماذا خلقت مع أن فيها ضررا، ما فائدتها، الله تعالى هو الذي خلقها وقدرها فـ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وكل شيء يحدث فإنه مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يوجد، وهذا معنى قول الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ أي كل شيء يوجد فإن الله تعالى خلقه بقدر، فقدر له أجلا وقدر له زمانا لا يمكن أن يتجاوزه، قدر له وقتا وحدد له أجلا لا يمكن أن يتجاوزه.
ويقول الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا أي قدر عمله وعمره، وقدر رزقه وغناه وفقره، وصحته وسقمه، قدره تقديرا، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي أنه سبحانه علم كل شيء، فالمصائب التي تحدث في الأرض، أو في الأنفس، ما يحدث في الأرض من خصب أو جدب أو جفاف أو نبات أو ما أشبهه، وما يحدث في الأنفس من أمراض وعاهات وفقر أو غنى أو ما أشبه ذلك إِلَّا فِي كِتَابٍ أي في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا من قبل أن نخلق هذه المخلوقات، بل من قبل أن تخلق السماوات والأرض إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ علم الله تعالى بذلك سهل على الله ليس فيه صعوبة.

line-bottom