اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح لمعة الاعتقاد
219169 مشاهدة
وجوب الإيمان بالغيب وإن لم تدركه العقول

ولو لم تدركه عقولنا فإن من كذب بما لم يدركه عقله لم يكن مصدقا.
ولأجل ذلك كثر هؤلاء المبتدعة الذين أنكروا الأشياء التي لم تدركها عقولهم؛ عندك مثلا المشركون الأولون كأنهم لم تدرك عقولهم البعث، وقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ رَجْعٌ بَعِيدٌ يستبعدونه.

أنهم يقولون: نشاهد الموتى يصيرون ترابا ورفاتا، فكيف مع ذلك يعادون أحياء؟ فأقام الله تعالى الأدلة وقطع المعذرة، وأقام حجته على عباده واحتج عليهم بأدلة عقلية؛ منها خلقهم خلقهم الأول، يقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الكل هين عليه ويقول تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ .
ثم يحتج عليهم ثانيًا بحجة قاطعة وهي إحياء الأرض؛ لما ذكر الله تعالى إحياء الأرض بعد موتها قال: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى كَذَلِكَ النُّشُورُ كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ويحتج عليهم أيضا من مخلوقات الكبرى أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أليس ذلك بقادر على أن يعيدهم، ويحتج عليهم بأنه على كل شيء قدير، وأنه يخلق ما يشاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، هذا هو الذي خلقه وهو الذي أحكمه.
كذلك أنه إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون؛ فنؤمن بما أخبر الله به من البعث بعد الموت، وإن لم تدركه عقولنا، كذلك أيضا طائفة العقلانيين كالمعتزلة لما عجزت عقولهم عن إدراك الإيمان بصفات الله تعالى أنكروا ذلك، وقالوا: لا يمكن أن يتصف الله بهذه الصفات ينكرها العقل، كيف يقر العقل صفة العلو وصفة الاستواء وما أشبه ذلك؟! فردوا هذه الصفة حتى قالوا: إنما عرفنا صدق الرسل بالعقول؛ فإذا جاءوا بشيء لا تدركه أو تكذبه العقول رددناه، هكذا قالوا! وهذا قصور.
ونقول لهم: لا تحكموا عقولكم، قدموا الشرع على العقل، ابدءوا بالشرع فإنه الأصل، ثم نقول: إن عقولكم مضطربة، لو كنتم صادقين لما اختلفتم؛ فإننا نشاهد أن أحدكم ينفي الشيء بالعقل حينًا ما، ثم يثبته بعد ذلك، بالعقل شيء واحد نفاه في وقت ثم أثبته في وقت.
ونشاهد أن مجموعة من العقلاء يختلفون؛ فهؤلاء يثبتون هذا الشيء وهؤلاء ينفونه، هذا يقول أثبته بالعقل، وهذا يقول نفيته بالعقل.
مثلا أن الأشاعرة يثبتون سبع صفات بالعقل، فيقولون: إن الأفعال الحادثة تدل عقلا على أن الله على كل شيء قدير؛ يعني الحوادث التي في الكون تدل على إثبات القدرة؛ يعني نشاهد الرياح والسحب، ونشاهد الرجفات والزلازل، ونشاهد الأمراض، ونشاهد التغيرات هذه تدل على أن الله قادر، فأثبتنا ذلك بالعقل، بينما المعتزلة ينكرون هذا بالعقل؛ فدل على أن العقل ليس قدوة، وإنما القدوة هو الشرع.
وأيضا فإن المحققين قد بينوا أن كل شيء جاء به الشرع، فإنه لا يخالف العقول. ألَّف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كتابا كبيرا سماه موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول أو موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول ويسمى العقل والنقل وفيه يقول تلميذه ابن القيم:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي
مـا فـي الوجـود له نظير ثاني
فيمدحه بذلك ويسمى في بعض الطبعات درء تعارض العقل والنقل فإذا سمعنا بشيء جهلته عقولنا، ولم نطلع على حقيقة معناه لم نطلع على كيفيته، فإنما نؤمن به وإن قصرت عقولنا عن إدراك الكنه والكيفية.