إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
شرح لمعة الاعتقاد
271779 مشاهدة print word pdf
line-top
من الإيمان بالغيب: الإيمان بالبعث بعد الموت

ثم البعث بعد الموت حق؛ وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ذكر الله تعالى في سورة النمل نفختين، وفي سورة الزمر نفختين، قال تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ هذه تسمى نفخة الفزع يقول: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً إلى آخر الآية.
فذكر في سورة الزمر وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ الصحيح أنهما نفختان؛ النفخة الأولى: يفزعون ثم يصعقوا؛ يحصل الفزع ثم يحصل الموت، فزع ثم صعق.
وذكر أنه يطيل تلك النفخة، ثم ورد في بعض الأحاديث أنه عليه السلام سئل كم بين النفختين؟ فقال: أربعون يقول الراوي: لا أدري قال أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين سنة.
بعد هذه النفخة نفخة البعث ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وفي هذه الآية: فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (الأجداث) القبور (ينسلون) يعني يسيرون؛ بعد ذلك ذكر الحشر يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بُهما حفاة: ليسوا منتعلين يمشون على الأرض بدون أحذية، عراة أي ليس عليهم أكسية غرلا أي غير مختنين، الرجال يبعثون كاملين بالقطعة التي قطعت في الختان تعود إليهم.

كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ لتدرك حظها من النعيم أو من العذاب قطعها في الدنيا من المسلمين؛ لأجل كمال الطهارة.
وفي الآخرة لا يبولون ولا يتغوطون فتكون خلقتهم كاملة؛ فيبعثون غرلا كذلك أيضا يبعثون بهما معناه أنهم لا يجرءون على الكلام كأنهم بهم لا يتكلمون، وقيل إن البهم هو الذي لونهم إلى السواد كالأسود البهيم، فإذا قيل إن لونهم إلى السواد فإن ذلك لأجل الفزع والخوف الذي يخشونه.
وقيل: إنهم بُهْمٌ أي أنهم لا يجرءون على الكلام قال تعالى: فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا فسر الهمس بأنه وطء الأقدام، وقال تعالى: لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا يقفون في موقف القيامة قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ورد أنهم يطول مقامهم وأن ذلك اليوم كألف سنة قال تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ إما أنه طويل لأجل ما هم فيه من المشقة؛ فإن أيام الحزن طوال وإما أنه طويل حسا والله أعلم.
يأتون الأنبياء أن يشفعوا لهم ويأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد أصابنا فيعتذر آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع إليهم إلى ربه حتى يفصل الله تعالى بينهم ويحاسبهم الله تعالى ثم يرسل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة في قوله تعالى فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ .
الحساب المحاسبة على الأعمال صغيرها وكبيرها، قال تعالى: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ يعني يحاسب خلقه في وقت قصير إذا شاء فيحاسبهم الله تعالى على أعمالهم.
وكذلك أيضا تنصب الموازين؛ أي التي توزن فيها الصحائف أو الأعمال وتنشر الدواوين التي كتبت فيها الأعمال ويقول الله تعالى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ أي كتاب أعمالك قد دون فيه كل شيء حتى مثاقيل الذر من الخير والشر.
ويقول تعالى عن الكفار أنهم يقولون مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا فيدل على أن الله تعالى يكتب عليهم أعمالهم، ولا يستطيعون أن ينكروها، ثم قد ذكر الله تعالى أنها تشهد عليهم جوارحهم يقول تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ .
ويقول تعالى: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ فإذا جحد الكفار شيئا نطقت جوارحهم فيقولون لجلودهم لما شهدتم علينا فتقول أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فتنطق يعني تتكلم جوارحهم بما عملت فيتكلم يشهد مثلا كل عضو بما عمل يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ تشهد عليهم جوارحهم، وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل.
ثم فصل ذلك بذكر هذه الآية فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فسر هذا الحساب بأنه العرض؛ أي تعرض عليهم أعمالهم دون مناقشة، فيقولون: هذا حسابا يسيرا حساب عرض الأعمال وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا يعني فرحا بأنه أوتي كتابه بيمينه فيقول لمن لقيه هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ .
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا قيل إن إنه يعطى كتابه بشماله ثم تلوى شماله حتى تكون خلفه؛ يعني الله قال في آية أخرى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ .
فهذا الكتاب قيل إنه علامة السعادة أو علامة الشقاوة، قال بعضهم: إنه مكتوب فيه هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية، فيكون هذا الكتاب الذي يقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ وقيل إنها صحائف الأعمال ولو كثرت، وأن الله تعالى قادر على أن يجمعها في شيء يسير يجعلها في يمينه أو في شماله.

line-bottom