إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
56207 مشاهدة
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية

وأمور العقيدة هي التي يجب الاهتمام بها والبداءة بها والعمل على تحقيقها؛ وذلك لأنها متى رسخت العقيدة في القلب، ورسخت أدلتها تبعتها الأعمال؛ انبعثت بقية الجوارح للأعمال، فأصبح كل عمل محبوبا إلى النفس، كل عمل صالح محبوب إلى النفس وخفيف وسهل ولذيذ.
وأما إذا لم ترسخ العقيدة التي هي معرفة الله وتعظيمه واستحضار عظمته لم ترسخ في القلب؛ بل بقي الإنسان في شك وفي حيرة، أو توالت عليه الشبهات؛ فإن الأعمال تكون ثقيلة على النفس؛ فلأجل ذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بأمور العقيدة، وحرصوا على ترسيخها في القلوب، وإقامة البراهين والأدلة عليها، وحرصوا على كثرة الكتابة فيها، وأيضا فلأن الخلاف فيها مع المبتدعة؛ إما في أصلها كالخلاف مع الدهريين والشيوعيين ونحوهم، وإما في أقسامها كالخلاف مع المعتزلة ومع القبوريين ومع أهل الشركيات والتوسلات ونحوها؛ فالخلاف فيها خلاف مع مبتدعة؛ إما أنا نبدعهم وإما أنا نكفرهم؛ فلأجل ذلك كان المسلم بحاجة إلى أن يهتم أشد الاهتمام بمعرفة العقيدة.
وقد ذكرنا أن العلماء -علماء السلف- في القرن الثالث والقرن الرابع وآخر القرن الثاني كتبوا في أمر العقيدة وأكثروا، ولكن كتابتهم في أمور؛ في بعض البدع التي حدثت في زمانهم، فيذكرون عقيدة أهل السنة في التكفير وعدمه لمناقشة الخوارج، ويذكرون عقيدة أهل السنة في قدرة الله تعالى وعمومها، ويناقشون في ذلك المعتزلة، ويذكرون عقيدة أهل السنة في أسماء الله تعالى وفي صفاته، ويناقشون في ذلك شبهات المعطلة والجهمية، ويذكرون في عقائدهم ما يتعلق بأسماء الإيمان والدين وأحكام العصاة ونحوهم، ويناقشون في ذلك شبهات المرجئة.