الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
67980 مشاهدة print word pdf
line-top
وسطية أهل السنة في إثبات أفعال الله تعالى

...............................................................................


هذا بالنسبة إلى التوسط بين اليهود والنصارى. كذلك أيضا التوسط في فرق الأمة. سمعنا أن أهل السنة والجماعة وسط في أفعال الله تعالى؛ وسط في أسماء الإيمان والدين، ففي أفعال الله وسط بين طائفتين متطرفتين؛ طائفة غلت وطائفة جفت. فهناك طائفة نفت فعل الله تعالى وقالوا: الله ليس بقادر على أن يهدي، ولا أن يضل؛ بل العبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، وهو الذي يفعل ما يريد، ولا قدرة لله على العباد؛ العباد يفعلون بدون إرادة الله وبدون قدرته وبدون مشيئته؛ يسمى هؤلاء مجوس هذه الأمة؛ هم القدرية الذين أنكروا قدرة الله.
وفيهم يقول الإمام أحمد القدر قدرة الله. نفوا أفعال الله تعالى، وزعموا أن هذا من باب التنزيه؛ قالوا: الله لا يمكن أن يخلق فعل العبد ثم يحاسبه عليه؛ بل العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، لا يقدر الرب تعالى على أن يهدي أحدا، ولا على أن يضل أحدا ولا على أن يرجع بقلب هذا ولا غير هذا؛ بل أفعالهم خارجة عن قدرته وخارجة عن إرادته.
هؤلاء هم المعتزلة ويسمون القدرية؛ وردت فيهم أحاديث، ولكن الصحيح أنها موقوفة لم تثبت عن الصحابة؛ التي فيها: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ونحو ذلك من الأحاديث.
أما الطائفة الثانية: فهم الذين غلوا في إثبات القدرة ويسمون المُجْبرة أو الجبرية الذين سلبوا العبد قدرته واختياره، وجعلوه مجبورا على أفعاله ليس له أية قدرة، وليست له أية اختيار، وجعلوا حركته كحركة المرتعش الذي تضطرب يداه ولا يقدر على إمساكها، أو كحركة الرياح للشجر. معلوم أن الشجر ليس يحرك نفسه، فقالوا: ليس للعبد أية قدرة، ويسمون الجبرية ويقول قائلهم:
ألقاه في البحر مكتوفا وقال له
إيـاك إياك أن تبتـل بالماء
يشبهونه؛ الإنسان الذي. يقولون: الله تعالى هو الذي دفعه إلى هذه الذنوب فكيف يعاقبه؟ هو الذي خلقها فيه، وهو الذي زجه فيها فلا قدرة له ولا احتيال له فهو مثل الإنسان المكتوف الأيدي والأرجل ألقي في البحر، ثم قيل له لا تبتل ثيابك ولا يبتل جلدك كيف يملك ذلك وهو مكتوف؟
وقد ذكروا أن ذميا كما سمى نفسه؛ والظاهر أنه مجبر جبري رفع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أبياتا يعترض فيها بالقدر، والتي يقول فيها:
أيا علماء الدين ذمّـي دينكم
تحير دلــوه علـى خير ملة
ثم يقول:
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى
دخولي سبيل بينوا لي حيلتي
يقول:
إنه بمنزلة من يدعوني للدخول، ثم يغلق الباب دوني:
إذا ما قضى ربي بطردي وشقوتي
وإبعادي عنه فما وجه حيلتي
فالحاصل أنه رد عليه شيخ الإسلام بقصيدة على نمط قصيدته؛ أولها قوله:
سؤالك يا هذا سـؤال معـاند
مخاصم رب العرش باري البرية
وتدعى خصوم الله يوم معادهم
إلى النار طرا معشر القدرية
سواء نفوه أو سعوا ليخاصموا
به الله أو ماروا به في الخليقة
إلى آخرها؛ أكثر من مائة بيت، أو مائة وعشرين بيتا، مذكورة في المجلد الثامن من الفتاوى. فالحاصل أن هذا القول قول فيه تعطيل للشريعة معناه أن الله تعالى ظلم العباد؛ حيث أمرهم وهم عاجزون، ونهاهم وهم عاجزون؛ وحيث إنه هو الذي أوقعهم في هذه الذنوب وخلقها فيهم ولا قدرة لهم فيها.
وهؤلاء شابهوا المشركين فإن الله حكى عن المشركين مثل هذا في قوله تعالى عنهم: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ وفي قولهم: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا ونحو ذلك من الآيات تدل على أن المشركين هم الذين يعتقدون أنه لا قدرة لهم، وأن الله ما شاء هدايتهم.
ويحتج بذلك كثير من العصاة؛ يحتجون بالقدر، وذكروا أن قدريا سرق فرفع إلى عمر يعني من يحتج بالقدر فقال: أتقطع يدي وهو قدر. الله قدر علي أني أسرق؟ فقال: سرقت بقدر الله، وأنا أقطع يدك بقدر الله. يعني أن الله سلط عليك.
فنقول: إن أهل السنة يعتقدون أن الله تعالى هو خالق كل شيء بما في ذلك أفعال العباد، ولكن أعطى العباد قدرة وإرادة يستطيعون بها مزاولة الأعمال؛ وتنسب إليهم، وتضاف إليهم الطاعات والمعاصي والأعمال، وإن كانت تلك القدرة خاضعة لقدرة الله.
فلذلك نقول: إن العبد له قدرة، وله إرادة، وقدرته مسبوقة بقدرة الله، وإرادته مسبوقة بإرادة الله، وهذه القدرة التي أقدره الله عليها فيها ميل وفيها إيثار منه، وفيها استطاعة تنسب إليه فلأجل ذلك قالوا: القدر قدرة الله، والقدرة التي للعبد داخلة في قدرة الله، ولكنها تنسب إليه، فهو يستطيع أن يقوم وأن يحمل وأن يحرث. لما كان صغيرا طفلا لم يستطع ذلك، فيسر الله وسخر له أبويه حتى يقومان بحاجته، وبعدما قويت أعضاؤه وعضلاته أمر بأن يعمل لآخرته ولدنياه، ولعل التوسع في هذا يأتينا مستقبلا إن شاء الله.

line-bottom