الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
70834 مشاهدة print word pdf
line-top
رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة، وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب وقال صلى الله عليه وسلم: جنان الفردوس أربع: جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة وآنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن .
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنةَ نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟! ويثقل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟! فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة .
وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح قد تلقاها السلف والأئمة بالقبول، واتفق عليها أهل السنة والجماعة، وإنما يكذب بها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك، وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة.
ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وبين تصديق الغالية بأنه يرى بالعيون في الدنيا وكلاهما باطل، وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا -وهم ضلال كما تقدم- فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص إما بعض الصالحين أو بعض المردان أو بعض الملوك أو غيرهم عظم ضلالهم وكفرهم، وكانوا حينئذ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى ابن مريم بل هم أضل من أتباع الدجال الذين يكون في آخر الزمان، ويقول للناس: أنا ربكم. ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويقول للخربة: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها.
وهذا هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته وقال: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال وقال: إذا جلس أحدكم في الصلاة فليستعذ بالله من أربع؛ ليقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال فهذا ادعى الربوبية، وأتى بشبهات فتن بها الخلق، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت فذكر لهم علامتين ظاهرتين يعرفهما جميع الناس، لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن من الناس من يضل فيجوِّز أن يرى ربه في الدنيا في صورة البشر كهؤلاء الضلال الذين يعتقدون ذلك.
وهؤلاء قد يسمون الحلولية والاتحادية، وهم صنفان: قوم يخصونه بالحلول أو الاتحاد في بعض الأشياء كما يقوله النصارى في المسيح -عليه السلام- والغالية في علي -رضي الله عنه- ونحوه، وقوم في أنواع من المشايخ، وقوم في بعض الملوك، وقوم في بعض الصور الجميلة، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي شر من مقالة النصارى.
وصنف يعممون فيقولون بحلوله أو اتحاده في جميع الموجودات حتى الكلاب والخنازير والنجاسات وغيرها، كما يقول ذلك قوم من الجهمية ومن تبعهم من الاتحادية كأصحاب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني والبلياني وغيرهم.
ومذهب جميع المرسلين ومن تبعهم من المؤمنين وأهل الكتب أن الله سبحانه خالق العالمين، ورب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، والخلق جميعهم عباده وهم فقراء إليه، وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، ومع هذا فهو معهم أين ما كانوا كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
فهؤلاء الضلال الكفار الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينيه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه أو ضاجعه، وربما يعين أحدهم آدميا إما شيخا أو صبيا أو غير ذلك ويزعم أنه كلمهم يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفارا؛ إذ هم أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إنه هو الله، وأنه اتحد به أو حل فيه قد كفرهم وعظم كفرهم، بل الذين قالوا إنه اتخذ ولدا، حتى قال: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا فكيف بمن يزعم في شخص من الأشخاص أنه هو؟
هذا أكفر من الغالية الذين يزعمون أن عليا -رضي الله عنه- أو غيره من أهل البيت هو الله، وهؤلاء هم الزنادقة الذين حرقهم علي -رضي الله عنه- بالنار، وأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كندة وقذفهم فيها بعد أن أجلهم ثلاثا ليتوبوا، فلما لم يتوبوا أحرقهم بالنار، واتفقت الصحابة -رضي الله عنهم- على قتلهم، لكن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة عند العلماء.


يتكلم شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذا المقطع أولا: على رؤية الله تعالى في الآخرة, كما وردت في ذلك الأحاديث, ورد أن الله تعالى يتجلى لعباده المؤمنين, ويتجلى لعباده في الموقف, وأنهم يعرفونه ويسجدون له, يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ يسجد المؤمنون ولا يستطيع المنافقون, وهذه رؤية خاصة بالمؤمنين, وفيهم منافقون.
ولكن الرؤية التي فيها رؤية النعيم المقيم والتي يتلذذ بها أهل النعيم هي: رؤيته في الجنة, التي ورد ذكرها في القرآن, وورد ذكرها مفصلا في السنة, يستدل عليها من القرآن بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ فالنظر هو: الرؤية، وفي قوله: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ وبقوله تعالى في حق الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ مفهومها أن المؤمنين غير محجوبين, ففي هذه الآيات دليل على أن الله تعالى يتجلى لعباده المؤمنين, وأنهم يرونه في الآخرة, وأن ذلك من أكبر النعيم.
واستدل أيضا بالأحاديث الصحيحة, ذكر شيخ الإسلام منها جملة كقوله: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر يقول: روى هذا الحديث جرير بن عبد الله البجلي ورواه عن جرير تلميذه الذي هو قيس بن أبي حازم وقيس هذا يعتبر صحابيا؛ .. لأنه أسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره, فهو مخضرم, وأخذ عن أكابر الصحابة, ورواه عن قيس جماعة كثيرون, ومنهم إسماعيل بن أبي خالد ورواه عن إسماعيل أكثر من مائة راو, سردهم ابن القيم في حادي الأرواح, مما يدل على أنهم تلقوه بالقبول, ولم يستنكروه, فهو حديث صحيح.
كذلك الحديث الثاني, وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن فإنه عام في أن أهل الجنتين اللتين من ذهب, وأن أهل الجنتين اللتين من فضة, كلهم يرون ربهم إذا كشف هذا الحجاب, الذي هو رداء الكبرياء, يكشفه فيرونه كما يشاءون.
كذلك حديث أبي هريرة وأبي سعيد وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس ساطعة ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا, هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا, قال: فإنكم ترونه كذلك ومعلوم أن هذا تشبيه للرؤية بالرؤية, لا للمرئي بالمرئي, ليس تشبيها لله تعالى بالشمس؛ فإنه ليس كمثله شيء.
كذلك الحديث الذي ذكره أيضا, الذي فيه أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: إن لكم موعدا عند الله, وهو يريد أن ينجزكموه, فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا, ويثقل موازيننا, ويدخلنا الجنة, وينجنا من النار, فعند ذلك يكشف الحجاب فينظرون إليه, فما أعطوا أفضل من النظر إليه, وهو الزيادة يعني: قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ في سورة يونس, فسرت الزيادة في حديث مرفوع بأنها النظر إلى وجه الله تعالى.
فالحاصل أن النظر إلى وجه الله تعالى من نعيم أهل الجنة, فهذا ورد في الصحيح, الذي هو نوال لأهل الجنة .....

line-bottom