إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
50848 مشاهدة
تدوين السنة في الكتب والمصنفات

...............................................................................


يسر الله علماء دونوه، واشتهر عنهم فمنهم من اختار الأحاديث الصحيحة كالبخاري ومسلم وابن حبان وابن خزيمة ومنهم من كتب ما في الباب ولكن مع الحرص على أن لا يكتبوا الأحاديث الباطلة كأهل السنن الأربعة، وكذلك من في زمانهم كسنن الدارمي ومسند الطيالسي ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وكذلك المسانيد كمسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى ونحوهم.
هذه الدوواين احتوت على السنة، وحفظت فيها السنة النبوية، وتلقاها الأئمة، واحتفظوا بها ونقحوها، وبينوا ما فيها من الصحيح ومن السقيم، وتكلموا على رجالها، وبينوا من تقبل روايته ومن لا تقبل، كل ذلك نصحا منهم للأمة ألا يكون في دينهم خلل ولا نقص، إذا حفظت عليهم هذه السنة التي هي مرجعهم الثاني بعد كتاب الله تعالى كمل دينهم، وإذا نقحت ونقيت وحفظت وأزيل ما فيها مما ليس منها من الأحاديث المكذوبة ونحوها ثبتت والحمد لله وصحت، وهذا هو ما وقع.
ودليل ذلك أن الحديث الواحد تجده في هذه الدواوين مع تباين أهلها، فتجده في صحيح البخاري والبخاري من أهل بخارى البلدة المشهورة في ما وراء النهر، وتجده في صحيح مسلم ومسلم من أهل سمرقند البلدة المشهورة في إيران وتجده في مسند أحمد وأحمد من أهل بغداد وتجده في موطأ مالك ومالك من أهل المدينة وتجده في سنن الترمذي وهو من أهل قرية اسمها ترمذ معروفة في بلاد ما وراء النهر.
والحاصل أن هذه الدواوين احتوت على هذه السنة، ورووها بالأسانيد، ولما رووها بالأسانيد ما سكتوا عن الأسانيد. بل تكلموا في حملة الحديث من يقبل حديثه ومن لا يقبل، ورأوا أن ذلك من باب النصيحة لا من باب الغيبة، وبينوا أنهم حملوا هذا العلم، فلا بد أن يبينوا من يقبل ومن لا يقبل، تكلموا على ذلك في كتب الرجال نصحا منهم للأمة ألا يدخل في دينهم ما ليس منه.
ثم لا شك أنه دخل في القرن الثاني في الإسلام أعداء من المجوس، ومن الترك، ومن البربر، ومن الفسقة، ونحوهم دخلوا في الإسلام نفاقا، وأرادوا أن يفسدوا على المسلمين دينهم، فصاروا يختلقون أحاديث، ويركبون لها أسانيد، ويسندونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر أن المهدي الخليفة المشهور أحضر له بعض الزنادقة ممن اتهم بالزندقة والنفاق، فجادله حتى ثبتت زندقته فأمر بقتله، فقال ذلك الزنديق: كيف تفعل بأربعة آلاف حديث كذبتها ونسبتها إلى نبيكم، وبثثتها في العالم؟ فقال المهدي تعيش لها نقادها، يعني: أن الله تعالى سخر هناك علماء يبينون الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فهم نقاد الحديث بمنزلة نقاد الدراهم والدنانير، والصيارفة الذين يعرفون المزور ويعرفون من النقود ما فيه غش، أو نحو ذلك.
يسر الله تعالى من ينقح هذه السنة، ويبين ما فيها من صحيح، وما فيها من ضعيف، وكل ذلك تحقيق لما ذكره الله، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .