تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
68007 مشاهدة print word pdf
line-top
الوسطية في العبادات

...............................................................................


... هذه الشريعة؛ أن شريعة الله تعالى توسط فيها أهل السنة، فصاروا وسطا في العبادات. ينبغي أن يكون العبد متوسطًا في العبادات لا غلو ولا جفاء.
في باب العقيدة كما سمعنا أهل السنة وسط؛ وسط في باب الصفات بين المعطلة وبين الممثلة، وسط في باب أفعال الله تعالى وأسماء الإيمان والدين؛ أفعال الله تعالى بين القدرية وبين المجبرة، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الوعيدية وبين المرجئة، وفي الصحابة بين الرافضة وبين الخوارج ونحو ذلك.
يقال هكذا أيضا التوسط في العبادات كلها فإن فيها من غلا وفيها من جفا، وخير الأمور أوساطها. نشاهد كثيرا في باب الطهارة يشددون على أنفسهم ويغسلون الأعضاء عشر مرات أو أكثر ويدلكونها الدلك الشديد؛ هؤلاء موسوسون؛ وصل بهم الأمر إلى هذا الحد من الغلو، بينما نشاهد آخرين لا يسبغون الوضوء، بل يكادون أن يمسحوا الأعضاء مسحا؛ فهؤلاء جفوا وهؤلاء غلوا، والتوسط هو غسل الأعضاء إلى أن يأتي عليها الماء، وإمرار اليد عليها حسب القدرة، وكذلك يقال في الاغتسال ونحوه.
يشاهد أيضا في القراءة أن هناك من يغلو في التشدد، وهناك من يبالغ في التساهل، وكذلك في إخراج الحروف ونحوها، ذكر بعض العلماء أمثلة لذلك كما ذكر ابن الجوزي وغيره أن هناك من يبالغ في القراءة وما أشبهها حتى قال: إن بعضهم يخرج بصاقه إذا أراد أن ينطق بالضاد من شدة تكلفه؛ وهذا غلو، والذين مثلا يتساهلون فيسقطون كثيرا من الحروف بسرعتهم مثلا أو لا يبالون بإظهارها حتى في الفاتحة هؤلاء جفوا.
كذلك في الصلاة ذكر ابن قدامة وغيره أنهم شاهدوا بعضهم في التكبير يبالغ أشد المبالغة حتى يكرر الكاف إذا قال: الله أكبر يؤكدها فيقول: الله (أكككبر)، وكذلك في التحيات يقول: (التتتحيات)؛ فمثل هذا مبالغة لا شك أيضًا أنه غلو؛ بينما هناك آخرون يتساهلون في ذلك فيخففون التكبيرة ولا يأتون بها كما ينبغي؛ فعرف بذلك أن دين الله تعالى وسط بين الغلاة وبين الجفاة فلا مبالغة يعني: توصل إلى حد الغلو ولا تساهل يوصل إلى حد الجفاء.
هذا في العبادات وكذلك في الاعتقادات فخير الأمور أوساطها، والله تعالى قد جعل الأمة وسطا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا وفرقة أهل السنة وسط كما قلنا، وفي البقية ما يوضح ذلك إن شاء الله.

line-bottom