إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
48578 مشاهدة
وسطية الأمة بين اليهود والنصارى في باب الحلال والحرام

...............................................................................


أما التوسط في باب الحلال والحرام فهذا ذكر الشيخ رحمه الله أن هذه الأمة أيضا توسطوا في باب الحلال والحرام بين اليهود والنصارى، فاليهود شدد عليهم التحريم. قال تعالى في الآية التي سمعنا: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يعني: بسبب ظلمهم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ .
وكذلك قال لهم عيسى لما جاء أحل كثيرا من الطيبات قال: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ففي شريعة عيسى التحليل؛ تحليل كثير مما كان محرما على اليهود. أما اليهود فإنه شدد عليهم، ثم إنهم أيضا زادوا في التشديد؛ اليهود زادوا في التشديد؛ شددوا فشدد الله عليهم، والنصارى زادوا في التوسع، وزادوا في التساهل فاستحلوا المحرمات واستحلوا النجاسات.
ذكر الله أن اليهود حرم عليهم بعض الطيبات مثل الشحوم......

.... إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ الذي حرم عليهم شحم الثرب وشحم الكليتين وشحم القلب، والشحم الذي في البطن ونحوه؛ هذه محرمة عليهم.
كذلك أيضا محرم عليهم كل ذي ظفر. الإبل لا يأكلونها، وكذلك ما يشبهها في الخلقة كالنعام الذي يده مثل الإبل. كل ذي ظفر الإبل تطأ على خفافها ليست على حوافر، ولا على أظلاف؛ مثل البقر والغنم. حرمت عليهم هذه الطيبات، والمحرمات عليهم كثيرة.
ذكر شيخ الإسلام أن المحرم عليهم ثلاثمائة وستون من المحرمات؛ يمكن أنها الدواب، ويمكن أنها من النباتات وما أشبهها، الدواب قد تكون محرمة عليهم الكثير، ولكن يمكن أنها أجناس؛ أجناس مما حرم عليهم، وكذلك من النباتات والمأكولات وما أشبهها.
من جملة ما حرموا على أنفسهم، وتشددوا فيه مؤاكلة الحائض. المرأة إذا حاضت لم يجالسوها، ولم تأكل معهم، ولم تجلس معهم في منزل؛ بل يعتزلونها ويبعدونها ولايأكلون معها. هذا من التشدد. النصارى لايبالون بها؛ بل يستحلون وطء الحائض ولايبالون بالأذى الذي ذكر الله. جاء الإسلام بتحريم الوطء في الحيض قال النبي صلى الله عليه وسلم: افعلوا كل شيء إلا النكاح فهذا توسط بين هؤلاء وهؤلاء.
كذلك الله تعالى ذكر أن هذه الأمة متبعون لهذا النبي الذي جاءهم من الله تعالى، والذي ذِكْره مذكور في الكتب السابقة؛ في قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ .
إذا اتبعوه وضعت عنهم الأغلال، ووضعت عنهم الآصار. هذه الآية فيها قراءتان: (ويضع عنهم آصارهم والأغلال التي كانت عليهم) آصارهم يعني: جمع إصر. قال تعالى: رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قال الله: قد فعلت؛ ثبت ذلك في الصحيح. الإصر هو الثقل العهد الثقيل؛ العهود الثقيلة تسمى آصارا، كما في قوله تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي يعني: عهدي الشديد، فالآصار التي كانت عليهم هي الأشياء الثقيلة التي يثقل فعلها؛ تشدد في العبادات ونحوها.
ذكروا أنهم إذا أصاب ثوب أحدهم نجاسة لا يغسلها بل يقرضها، ومن التشديد عليهم أنهم لا يصلون إلا في كنائسهم وأماكن متعبداتهم، وسع الله على هذه الأمة، وجعل النجاسة تطهر بالماء وبالغسل.
ذكروا أيضا من التشديد عليهم أن أحدهم إذا أذنب ذنبا كتب على منزله، أو على محله أن هذا قد أذنب ذنبا؛ إلى غير ذلك من أنواع التشديد؛ فهؤلاء تشددوا فشدد عليهم، وأما النصارى فإنهم صاروا يأكلون الخبائث، ولا يبالون بأكل الميتة وبأكل لحم الخنازير كما هو معروف عندهم.
وكذلك أيضا بملابسة الدماء والنجاسات لا يبالي أحدهم أن يصيب ثوبه بول أو نجاسة، أو نحو ذلك، فهم بضد اليهود في التشدد. هم في غاية التساهل إلى حد التفريط، وخير الأمور أوساطها. الإسلام جاء بالطهارة ولكن بدون تشديد.