إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
68010 مشاهدة print word pdf
line-top
سبب كتابة شيخ الإسلام ابن تيمية للوصية الكبرى

...............................................................................


كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كثيرا ما يتعاهد تلامذته بالنصائح، وبالوصايا من كتابات أو تذكير أو إرشادات أو نحوها.
ولما كان في مصر إنه ذهب إلى مصر في سنة سبعمائة وخمس، وبقي إلى سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، في هذه المدة التقى بهؤلاء التلاميذ الذين هم أتباع عدي بن مسافر وخاف عليهم من أن يركنوا إلى المبتدعة وإلى المتصوفة، وأن يقع فيهم الغلو في إمامهم عدي كما وقع الغلو في غيره من الصوفية؛ فكتب إليهم هذه الوصية وضمنها ملخص العقيدة، ولو كان قد بسط فيها بعض الأدلة، ولكنه أوضح الأدلة التي بسطها بما ذكره من الآيات والأحاديث، وذكر العقيدة مجملة، يعني نوع إجمال، وإن كان فيها شيء من التفصيل بالنسبة إلى غيرها من العقائد.
فالحاصل أن هذه الوصية التي سميت بالوصية الكبرى أنها من جملة نصائحه التي كتبها لبعض من أشفق عليهم من الانحراف ومن الغلو، وقد وقع الغلو في كثير من هؤلاء المتبوعين، ولا يزال إلى الآن المتصوفة يبالغون ويغلون في كثيرمن ساداتهم، ويصرون على ذلك السيد الذي غلوا فيه، مثل: التيجانية فإنهم غلوا في سيدهم الذي يقال له التيجاني والنقشبندية غلوا أيضا في متبوع لهم يقال له النقشبندي والرفاعية غلوا في الرفاعي وكذلك القادرية أو الجيلانية غلوا في الجيلاني عبد القادر ورفعوه إلى أن جعلوه إلها، أو متصرفا في الكون؛ فخشي على هؤلاء -الذين هم تلامذة وأتباع لهذا العالم الذي هو عدي بن مسافر وبين ما يجب أن يكونوا عليه، يعني: الواجب عليكم -وأنتم تفتخرون بأنكم أتباعه- أن ترجعوا إلى الأصلين، والدليلين الثابتين وهما الكتاب والسنة.
وأكد في الاستدلال بالكتاب والسنة، وذكر عقيدة السلف، وأنها متوسطة بين طرفين بين طرفي إفراط وتفريط، وبين طرفي غلو وتقصير، وخير الأمور أوساطها.
ثم ذكر في هذه الوصية كما ذكر أيضا في العقيدة الواسطية: أن أهل السنة وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم قبلها لا غلو ولا جفاء، فإذا توسطوا وعرفوا ما هم مخاطبون به، وما هم مأمرون به، واتبعوا الدليل فهم على سبيل النجاة.
هذا هو مضمون هذه الوصية التي تعرض فيها لبعض الأسماء والصفات، وتعرض فيها للقرآن وما قيل فيه، وللبعث والنشور والجزاء على الأعمال، واليوم الآخر وما يلزم الإيمان به، وللقضاء والقدر، ولأسماء الإيمان والدين، وما أشبه ذلك مما تعرض له، ومما مر بنا بعضه، وسوف يأتينا -إن شاء الله- ما يتعلق بباقيه. نستمع الآن إلى كلام شيخ الإسلام.

line-bottom