اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
56223 مشاهدة
أثر ادعاء الصوفية تحقق رؤية الله في الدنيا

...............................................................................


فدعاوي هؤلاء الصوفية لا أصل لها ولا حقيقة لها , الذين يدعون أنهم رأوا الله تعالى قد وصل بهم الأمر إلى أن ادعوا أنهم مستغنون عن الشرع بما يفتح على قلوبهم في زعمهم, وبأنهم تحدثهم قلوبهم بما يلقى فيها, أو يقذف فيها, فيقول بعضهم: حدثني قلبي عن ربي. وفي النظم الذي ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان شيء مما ينتقد على مثل هؤلاء, المنظومة التي أولها:
ذهب الرجال وجال دون مجالهم
زمر من الأوباش والأنـذال
زعـموا بأنهمُ على آثارهم
ساروا.. ولكن سيرة البطال
إن قلت قال الله قال رسوله
همزوك همز المنكر المتغالي
أوقلت قد قال الصحابة والألى
تبعوهمُ في القول والأفعال
أوقلت قال الآل آل المصطفى
صلى عليه الله أفضـل آل
أوقلت قال الشافعي ومالك
وأبو حنيفة والإمام العـالي
أوقلت قال صحابهم من بعدهم
فالكل عنـدهم كشبه خيال
ويقول قلبي قال لي عن سره
عن سر سري عن صفا أحوالي
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي
عن شاهدي عن واردي عن حـالي
عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي
عن سر ذاتي عن صفات فعالي
دعوى إذا حققتها ألفيتهـا
ألقاب زور لفقـت بمحـالِ
فالحاصل أن هذه هي دعواهم: حدثني قلبي عن ربي, أو يقول مثل ما قال هنا: قال لي قلبي, أو قال لي سري, أو مثل ما ذكر
عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي
عن سر ذاتي عن صفات فعالي
فلا شك أن هؤلاء الذين يقولون مثل هذا, ويعرضون عما كان عليه السلف الصالح, وما جاءت به الشريعة أنهم أضل الناس, وأبعدهم عن الصواب, فلا يغتر بهم.
فالحاصل أن في هذه الوصية تحذير لأتباع عدي ولمن يخاف عليه من هذه الأقوال التي يروجها الصوفية, يخاف عليهم أن ينخدعوا بمثل هذه الحكايات وهذه الروايات فيتركوا الشريعة, ويتبعوا هؤلاء الكذابين، ولا شك أنهم إذا تبعوا ما توحيه إليه أنفسهم, وما توسوس إليهم به شياطينهم, مخرقوا في الكلام, وصدوا عن سبيل الله, وأوهموا أتباعهم أنه لا حاجة بكم إلى هذه العبادات, ولا إلى تحريم هذه المحرمات, وما أشبهها, مما يكون سببا في تعطيل الشريعة, فينتبه لمثل هذا, ويكون المؤمن حذرا من أن يسمع, أو يقرأ في كتبهم؛ لما فيه مدح مريديه ورفع مقامه, وأنهم وصلوا إلى ما لم يصل إليه نبي أو رسول.
نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العفو والغفران, وفيما يأتي يتبين أيضا زيادة الإيضاح لمقالة هؤلاء، والله تعالى أعلم.
صحيح أننا قد ذكرنا في أول الكلام أن قوله: رأيت ربي في أحسن صورة, وأنه وضع يده على صدري حتى وجدت برد أنامله في صدري أن هذه رؤيا منام، وأن الإنسان يرى الله تعالى في المنام, ولكن لا تدل تلك الرؤية على أن الله على تلك الصفة, ولا على تلك الحالة؛ ذلك لأن النائم يتخيل إليه ما يتخيل من الأشياء الغيبية, أو من الأمور الخفية, أو ما أشبه ذلك, فيقول: رأيت كذا, وهو إنما رأى خيالات, فرؤية الله تعالى في المنام إنما هي تصور شيء يتصوره في اليقظة, أو يتصوره في المنام, ولا تدل على أن الله على تلك الكيفية.