إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
70839 مشاهدة print word pdf
line-top
وقوع التفرق والاختلاف في الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى: وهكذا كل من فارق جماعة المسلمين وخرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلة والبدع المخالفة، ولهذا قاتل المسلمون أيضا الرافضة الذين هم شر من هؤلاء، وهم الذين يكفرون جماهير المسلمين مثل الخلفاء الثلاثة وغيرهم، ويزعمون أنهم هم المؤمنون ومن سواهم كافر، ويكفرون من يقول إن الله يرى في الآخرة، أو يؤمن بصفات الله وقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة، ويكفرون من خالفهم في بدعهم التي هم عليها، فإنهم يمسحون القدمين ولا يمسحون على الخف، ويؤخرون الفطور والصلاة إلى طلوع النجم، ويجمعون بين الصلاتين من غير عذر، ويقنتون في الصلوات الخمس، ويحرمون الفقاع وذبائح أهل الكتاب، وذبائح من خالفهم من المسلمين؛ لأنهم عندهم كفار.
ويقولون على الصحابة رضي الله عنهم أقوالا عظيمة لا حاجة إلى ذكرها هنا إلى أشياء أخر، فقاتلهم المسلمون بأمر الله ورسوله، فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتالهم فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام والسنة حتى يدعي السنة من ليس من أهلها.
بل قد مرق منها وذلك بأسباب: منها الغلو الذي ذمه الله تعالى في كتابه؛ حيث قال: يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا وقال تعالى: يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وهو حديث صحيح.
ومنها التفرق والاختلاف الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، ومنها أحاديث تروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي كذب عليه باتفاق أهل المعرفة يسمعها الجاهل بالحديث فيصدق بها؛ لموافقة ظنه وهواه، وأضل الضلال اتباع الظن والهوى كما قال الله تعالى في حق من ذمهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال في حق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فنزهه عن الضلال والغواية اللذين هما الجهل والظلم فالضال هو الذي لا يعلم الحق والغاوي هو الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى.
وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنة وقد مرق منها، وصار من أكابر الظالمين وهي فصول. الفصل الأول....


نكتفي بهذا. ذكر أن كل الفرق وكل النحل يدعون أنهم أهل الصواب، وأن الحق في جانبهم، ولو كانوا بعيدين عن الحق، ويتمسكون بالباطل الذي انتحلوه والذي ابتدعوه، والأدلة الواضحة في كتاب الله وسنة رسوله تدل على بعدهم عن الحق، وبعدهم عن الصواب؛ فلأجل ذلك أهل السنة يتواصون بالتمسك بالسنة التي هي سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويحرصون على تحقيق وصيته صلى الله عليه وسلم في آخر حياته؛ حيث قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة إلى أن قال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة .
هذا دليل شفقته عليه الصلاة والسلام، وفي حديث آخر أنه قال: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا بعض الروايات: فسيرى اختلافا كثيرا .
حقا وقع الاختلاف، وقع التفرق تفرق الأمة، فنبغت في عهد آخر الخلفاء الراشدين في عهد علي طائفة الخوارج، وانطبقت عليهم الصفات التي وصفهم بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنه قال: تمرق مارقة على حين فرقة من الناس يقتلهم أولى الطائفتين بالحق فقتلهم علي وفي حديث آخر أنه قال لما أتاه ذو الخويصرة وقال له: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. قال: إن من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (يمرقون من الدين) يمرق المروق هو الدخول والخروج منه، السهم هو الذي يرمى به، إذا وقع في الرمية مثلا كالظبي ونحوه دخل من جانب فخرج من جانب قبل أن يتلوث بدم أو فرث أو نحو ذلك.
فذكر أن دخولهم وخروجهم لا يتأثرون بشيء من الدين، ثم أمر بقتالهم بقوله: لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم .
والحاصل أن هذه الطائفة من الطوائف الذين خرجوا، ومن عقيدتهم الاعتماد على القرآن، وعدم قبول السنة مهما كانت صحيحة، فلا يقبلون الأحاديث ولو نقلها من نقلها من أجلاء الصحابة، ويعتمدون على القرآن، ومع ذلك فإنهم يتمسكون بآيات فيها التبشير ويجعلونها كدليل على الفسوق وعلى ما هم عليه؛ حيث إنهم يكفرون بالذنوب، ويجعلون الذنب كفرا والعفو ذنبا، هذه الطائفة حدثت في السنة السادسة والثلاثين من الهجرة.

line-bottom