الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
48584 مشاهدة
من أسباب المروق من الدين: الغلو

...............................................................................


هذا الغلو الذي وقعوا فيه حقيقته أنه شرك بالله تعالى؛ حيث إنهم خالفوا النصوص، سمعنا الآيات التي في النهي عن الغلو قول الله تعالى في سورة النساء: يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فالغلو هو مجاوزة الحد، والنهي الذي جاء لأهل الكتاب جاء في كتابنا فهو نهي لنا، فإن كل الخطابات التي في القرآن موجهة إلى اليهود أو إلى أهل الكتاب مراد بها تنبيه الأمة ألا يفعلوا كفعلهم.
حيث إن من فعلهم وبالأخص النصارى الغلو في عيسى وفي أمه؛ حيث قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، عيسى وأمه وروح القدس، أو الله والمسيح وأمه، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وحكى ذلك عنهم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ يعني يتحداهم ويحذر الأمة أن لا يفعلوا كفعلهم، وأنهم إذا لم ينتهوا سيمسهم عذاب أليم، فهذا دليل على أن الغلو أوقعهم فيما أوقعهم فيه.
ثم إنهم لما غلوا في هؤلاء في أهل البيت في علي وفي ذريته قلدهم الجهلة فاتبعوهم، فيوجد في كثير من البلاد الإسلامية قبور قد شيدت وبني عليها ورفعت، وصار الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة يتحرون الصلاة عندها، ويتحرون الدعاء عندها، ويدعون أنها إذا دعوا عندها شفعت في دعائهم ورفع، وأن الصلاة عندها أفضل من الصلاة في المساجد فوقعوا في الشرك، في العراق وفي اليمن وفي الشام وفي مصر وفي إفريقيا وفي الهند وفي السند وفي غالب البلاد الإسلامية.
وحتى في هذه البلاد حتى طهرها الله تعالى في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، جاءهم الشيطان في بلد يقال لها: العيينة وقال: إن هذا قبر زيد بن الخطاب فبنوا عليه بنايات وصاروا يعبدونه ويطوفون به، وكذلك في مكان آخر جاءهم الشيطان وقال: هذا قبر السيد الذي يسمونه تاج وآخر اسمه شمسان وآخر اسمه يوسف وأشباههم.
فالحاصل أن هذا النوع من الغلو يعتبر شركا وكفرا يحبط الأعمال، فلما أن الذين اشتهروا به أولا هم الرافضة وفعلوا ما فعلوا مما يخالف عقيدة المسلمين كفرهم المسلمون وقاتلوهم، وبالأخص ملوك في مصر يسمون أنفسهم الفواطم، أنهم من ذرية فاطمة وهم كذبة، يعرفون ببني عبيد القداح، ولما أنهم ظهرت مخالفاتهم وظهر شركهم وغلوا في الصالحين وغلوا في الأولياء أو من يسمونهم أولياء من الصوفية ونحوهم عند ذلك قاتلهم أهل السنة، وانتزعوا الملك منهم، وقضوا عليهم حتى تفرقوا، ولم يزل أهل السنة يحذرون من الرافضة، ويبينون عداءهم للإسلام وللمسلمين.
فالحاصل أن هذا نوع من أسباب التفرق؛ من أسباب الكفر وهو الغلو في الصالحين، وقد حذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سمعنا وفي حديث عن ابن عباس لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته في مزدلفة وأراد التوجه إلى منى أمر ابن عباس أن يناوله سبع حصيات ليرمي بها جمرة العقبة، فناوله سبع حصيات مثل حصى الخذف، الحصى الذي يخذف به بين الأصابع، فجعل ينثرهن بيده ويقول: بمثل هذا فارموا يا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين فكأنه يقول: إن كونكم ترمون بحجارة كبيرة مثل بعر الإبل أو نحوها يعتبر غلوا، هذا من الغلو في الدين.
فإذا كان الغلو يدخل حتى في رمي الجمرات، فبطريق الأولى أن يكون مذموما الغلو في العباد، بأن يعتقد أن صاحب هذا القبر ينفع، أو أنه يقبل النذر، أو أنه يفيد من دعاه، أو أنه يملك ما لا يملك العباد، ويؤدي بهم هذا الاعتقاد إلى أن يعكفوا حوله، وأن يتبركوا بتربته، وأن يسافروا لأجله، وأن يتمسحوا به، وأن يهتفوا باسمه، فكيف لا يكون هذا غلوا؟! بل هو مثل غلو النصارى في قولهم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ أو في قولهم: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .