شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
48575 مشاهدة
أحاديث مكذوبة تشبه الله تعالى بخلقه

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى:
الفصل الأول: الاحتجاج بالأخبار المكذوبة.
أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان؛ بل كفر شنيع، وقد يقولون من أنواع الكفر ما لا يروون فيه حديثا مثل حديث يروونه: أن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق, يصافح الركبان ويعانق المشاة, وهذا من أعظم الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وقائله من أعظم القائلين على الله غير الحق، ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين أصلا؛ بل أجمع علماء المسلمين وأهل المعرفة بالحديث على أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقال أهل العلم كابن قتيبة وغيره: هذا وأمثاله إنما وضعه الزنادقة الكفار ليشينوا به على أهل الحديث, ويقولوا إنهم يروون مثل هذا.
وكذلك حديث آخر فيه: أنه رأى ربه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجيج, وعليه جبة صوف أو ما يشبه هذا البهتان والافتراء على الله, الذي لا يقوله من عرف الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا حديث فيه: أن الله يمشي على الأرض, فإذا كان موضع خضرة قالوا: هذا موضع قدميه، ويقرءون قوله تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا هذا أيضا كذب باتفاق العلماء، ولم يقل الله: فانظر إلى آثار خطا الله؛ وإنما قال: آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ ورحمته: النبات.
وهكذا أحاديث في بعضها: أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في الطواف وفي بعضها: أنه رآه وهو خارج من مكة , وفي بعضها: أنه رآه في بعض سكك المدينة إلى أنواع أخر.
وكل حديث فيه أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بعينه في الأرض؛ فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم، لم يقله أحد من علماء المسلمين, ولا رواه أحد منهم؛ وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هل رأى ربه ليلة المعراج؟ فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة المعراج. وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله تعالى عنها في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا، ولا سألته عن ذلك، ولا نقل في ذلك عن الصديق رضي الله تعالى عنه كما يروي ناس من الجهال: أن أباها سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم. وقال لعائشة لا. فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء.
ولهذا ذكر القاضي أبو يعلى وغيره أنه اختلفت الراوية عن الإمام أحمد رحمه الله هل يقال: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بعيني رأسه؟ أو يقال: بعين قلبه؟ أو يقال: رآه ولا يقال: بعيني رأسه ولا بعين قلبه؟ على ثلاث روايات.
وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال: رأيت ربي في صورة كذا وكذا يروى من طريق ابن عباس ومن طريق أم الطفيل وغيرهما، وفيه: أنه وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج؛ فإن هذا الحديث كان بالمدينة وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نام عن صلاة الصبح، ثم خرج إليهم, وقال: رأيت كذا وكذا وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كأم الطفيل وغيرها، والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم، وبنص القرآن والسنة المتواترة، كما قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .
فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة كما جاء مفسرا في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام مع أن رؤيا الأنبياء وحي لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج.
وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ربه بعينيه في الأرض، وأن الله لم ينزل له إلى الأرض، وليس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض؛ بل الأحاديث الصحيحة: أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية: إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ .
وثبت في الصحيح: أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية: إلى سماء الدنيا؛ فيباهي الملائكة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ما أراد هؤلاء؟ وقد روي: أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إن صح الحديث فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم. وكذلك ما روى بعضهم أن النبي .....


مناسبة هذه الأحاديث التحذير لأتباع الشيخ عدي ؛ وذلك لأنهم يغلب عليهم التصوف، وهذه الأحاديث يروجها الصوفية ولا يزالون يروجونها إلى اليوم، والصوفية أغلب عباداتهم قلبية؛ فلأجل ذلك يقولون: إنهم يعتمدون على المكاشفات، وأن أرواحهم تتصل بالملأ الأعلى، وأنهم يرون ربهم في صورة كذا وكذا، وأن أحدهم يكشف له عن الكون كله، وأن فيهم من يكونون أفضل من الأنبياء ومن الرسل، وهم من يسمونهم بالأقطاب أو بالأوتاد الذين يدعون ولايتهم، فلما كانت هذه العقائد مشتهرة عنهم ذكرها حتى يحذر هؤلاء منها.
الشيخ عدي -فيما يظهر- أنه من أهل السنة؛ إلا أنهم اعتقدوا فيه كما حصل الاعتقاد في الجيلاني عبد القادر الجيلاني من أهل السنة؛ ولكن ادعى الذين اعتقدوا فيه أنه يظهر على يديه كرامات، وأنه حصل له كذا وكذا مما لا أساس له من الصحة فبالغوا فيه إلى أن عبدوه؛ ولا يزال يعبد إلى الآن؛ فيخاف على أتباع الشيخ عدي من مثل هؤلاء الذين اعتقدوا في الجيلاني ويخاف عليهم –أيضا- من فشو هذه الخرافات وهذه الأكاذيب التي ابتدعها المتصوفة، اعتمدوا فيها هذا على أحاديث مكذوبة؛ وذلك لأنهم ليس لهم معرفة بالحديث، ولا برواته ولا بطرقه ولا برجاله ولا بالأسانيد؛ وإنما يعتمدون على رسائل يكتبها لهم بعض من يعتقدون فيه من سادتهم؛ فيعتمدون على تلك الكتب أو تلك الرسائل، ويصدقون كل ما فيها مهما كان, يصدقون ما قيل فيها وما روي فيها، وما ذاك إلا لجهلهم, وعدم تمييزهم بين الصحيح والضعيف، وبيان أنهم ليس لهم خبرة بالحديث، ولا بما يجوز على الله وما لا يجوز عليه، ولا شك أن ترويج هذه الأحاديث المكذوبة يوقع في الكفر ما إذا اعتقدت.
هذه الأحاديث التي فيها أن الله ينزل عشية عرفة إلى الأرض، وأنه نزل ورآه النبي عليه السلام وعليه جبة صوف –تعالى الله- لا شك أن فيها ما يصل إلى الكفر. الله تعالى ينزه عن مشابهة المخلوقين، الله تعالى رب الكون كله، الكون كله يقبضه، السماوات مطويات بيمينه، الأرض قبضته يوم القيامة، الكون كله صغير حقير بالنسبة إلى عظمته، هو فوق عباده وفوق سماواته، ومع ذلك فإنه مطلع على عباده وقريب منهم، فالذين يدعون أنه ينزل في عشية عرفة؛ هذا كله ليس بصحيح؛ سواء الذين قالوا: إنه نزل على جمل أورق، أو الذين يقولون: إنه نزل وعليه جبة صوف؛ كل هذا من الأكاذيب.
أين رويت هذه الأحاديث؟ ليس لها خطام ولا زمام، لم تخرج في كتب الأحاديث ولا في كتب السنة؛ لا في الصحيحين ولا في السنن الأربعة، ولا رواها الأئمة في مسانيدهم كمسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى وسنن الدارمي والمصنفات التي صنفها العلماء المعتمدون إنما تروى في كتب المتصوفة وأشباههم.
وهكذا الذين يقولون: إنه ينزل ويمشي على الأرض –تعالى الله- وإذا رأوا أثر خضرة قالوا: هذا موطئ قدمه، ويستدلون بهذه الآية في سورة الروم: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا فالآية فيها آثار رحمة الله، رحمة الله يعني: هذا المطر فرحمة الله يكون من آثارها: إنبات هذا النبات ووجود هذه الخضرة؛ فاعتقاد هؤلاء اعتقاد باطل بعيد عن الصواب.