شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
الشيخ عدي بن مسافر من معتدلة المتصوفة
...............................................................................
ثم إن شيخ الإسلام ذَكَّر أتباع عدي اسم> - الشيخ عدي بن مسافر اسم> - ذكرهم بحالتهم يقول: منَّ الله عليكم أيها الأتباع بما فضلكم به على كثير من المنحرفة والمتصوفة ونحوهم. وما ذكره من الأمور التي ذكَّرهم به. هذه من قبيل الكرامات. قد يوجد فيه شيء من الأمور التي تستغرب، ولكنها تعتبر كرامات من كرامات الأولياء، ولا تصل إلى شطحات المتصوفة.
إن للمتصوفة -أو غلاة المتصوفة- زلات كثيرة؛ يطلقون عليها شطحات، وينكرونها عليهم، ولكنهم لا يكفرون إلا من غالى فيهم؛ فإن الغلو الذي فيه كثير من المتصوفة أخرجهم إلى الكفر وإلى الإلحاد؛ كما ذكروا ذلك عن أبي اليزيد البسطامي اسم> وعن الحسين الحلاج اسم> ثم عمن سار على نهجهم في تلك الكلمات النابية؛ مثل ابن عربي اسم> الاتحادي، وابن سبعين اسم> وابن الفارض اسم> هؤلاء شطحاتهم أوصلتهم إلى عقيدة بشعة أطلق عليها الحلول، وهو اعتقادهم أن الخالق والمخلوق واحد.
وأما معتدلوهم -معتدلو التصوف- من المتقدمين؛ مثل بشر الحافي اسم> والحارث المحاسبي اسم> الجنيد بن محمد اسم> الفضيل بن عياض اسم> إبراهيم الخواص اسم> وأشباههم من أهل الاعتدال. أما الشيخ عدي اسم> وكذلك شيخه القرشي الهكاري اسم> ؛ هذان ولو كانا على طريقة الصوفية، ولكن تصوفهم؛ ولو كانوا متأخرين تصوف معتدل.
وذلك لأن الصوفية القدامى ليس تصوفهم تصوف عقيدة، ولكنه تصوف زهادة؛ زهد، تقشف، تقلل من الدنيا، انقطاع من اللذات والشهوات وقريب من الرهبنة، والانقطاع الكلي في كثير منهم.
ولكن فعلهم هذا؛ الذي هو الزهد من الدنيا والزهد في ملذاتها قد أنكره كثير من أهل زمانهم، وقالوا: إن الله تعالى أباح زينة الدنيا رسم> قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قرآن> رسم> ؛ أي: من حرمها؟ ليست حراما، ولكن كأنهم يقولون: إن هذه الشهوات قد تشغل وقد تلهي، وقد يكون فيها شيء مما يقسي القلب، ويثقل الطاعات على القلب وعلى البدن، ويخفف المعاصي ويدعو إلى اللهو وإلى التساهل في العبادة؛ هكذا رأوا، ولكنهم في باب العقيدة على الكتاب والسنة. وإذا وجد من بعضهم شطحات كثيرة فإنها تغتفر. ويكون الحامل عليه هو جهله ببعض الأدلة.
مسألة>