شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
من نعم الله الهداية إلى مذهب أهل السنة
...............................................................................
على المسلم أن يتذكر نعم الله تعالى؛ أولا: نعمة الهداية إلى دين الإسلام عموما.
وثانيا: نعمة الهداية إلى السنة؛ إلى مذهب أهل السنة الذي هو مذهب الرسل وعقيدة الرسل؛ فإنها نعمة عظيمة.
مر من خلال قراءة الإمام تذكير المسلمين في قوله: رسم> كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قرآن> رسم> يخبر بأن المخاطبين من أهل الإيمان في قوله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا قرآن> رسم> كانوا كفارا فمنَّ الله عليهم.
الهداية إلى الإسلام تعتبر منة. يقول الله تعالى: رسم> بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ قرآن> رسم> ؛ فإذاً إذا اعتبرنا أنها نعمة وأنها منة؛ فإن علينا الاغتباط والفرح بهذه النعمة، وهي من فضل الله تدخل في قوله تعالى: رسم> قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا قرآن> رسم> يعني: يفرح المؤمنون بما تفضل الله به عليهم، وبما رحمهم.
فإذا عرفنا قدر هذه النعمة؛ فإن علينا أن نستمسك بها، وأن نحرص على تحقيقها؛ تحقيق نعمة الإسلام التي هدانا الله لها عموما، ثم تحقيق نعمة السنة التي ضل عنها الكثير من المسلمين.
يُذكِّر شيخ الإسلام الذين كتب إليهم؛ يذكرهم بفضل هذه الأمة؛ أنها الأمة التي فضلها الله: رسم> كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قرآن> رسم> ثم يذكرهم أنها أمة وسط: رسم> وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا قرآن> رسم> ؛ أي بين الأمم السابقة، ثم يذكرهم أن أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة. ذكر ذلك في هذه الرسالة، وذكره في العقيدة الواسطية.
يقول: هم وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم. ذكر توسطهم في باب الأسماء والصفات بين طائفتين؛ معطلة ومشبهة، وذكر توسطهم في أفعال الله تعالى بين طائفتين؛ مجبرة وقدرية، وذكر توسطهم في باب الوعيد بين طائفتين؛ الخوارج والمرجئة، وذكر توسطهم في الصحابة بين النواصب والروافض.
فإذا كانوا وسطا ... الوسط هو الخيار، ومعناه أن هذا المذهب لم يكن اعتماده على العقول؛ ككثير من المذاهب التي تعتمد على العقل؛ بل الاعتماد على العقل والنقل؛ اعتمادهم في مذهب أهل السنة على النقل الذي يوافق العقل. أما أكثر الملل والنحل والفرق فإنهم يعتمدون على العقل، ويدعون أن العقل مقدم على النقل، وأن النقل إذا جاء بشيء يخالف العقل فإنه لا يقبل. هكذا يقولون.
وقد نظرنا وإذا هم مختلفون؛ فمنهم من يثبت شيئا بالعقل، ثم ينفيه بعد مدة بالعقل. ويوجد طوائف وفرق يثبتون صفة بالعقل وآخر ينفونها بالعقل؛ فعلى هذا لا تصير العقول ميزانا دائما يُرجع إليها؛ بل إذا تحققنا أن المرجع هو الكتاب والسنة المنقولة إلينا نقلا متواترا؛ قوليا وعمليا؛ فإننا نجعلها هي المرجع، ونتأمل فيها تأملا دقيقا؛ فنجد أن كل ما فيها فإنه موافق للعقل، وأما الذين يقولون: إن فيها مخالفة للعقل. إنما أوتوا من ضعف عقولهم، وإلا فالعقول السليمة الصحيحة لا تخالف ما يقوله أهل السنة.
هذا هو القول الصواب في هذا الباب؛ باب التوسع في هذا مذكور في كتاب (العقل والنقل) لشيخ الإسلام الذي يسمى (درء تعارض العقل والنقل)، أو يسمى: موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، مطبوع في أحد عشر مجلدا، وطبعت من ذلك طبعات مختصرة، والآن نبدأ بالقراءة.
مسألة>