الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
70861 مشاهدة print word pdf
line-top
من نعم الله الهداية إلى مذهب أهل السنة

...............................................................................


على المسلم أن يتذكر نعم الله تعالى؛ أولا: نعمة الهداية إلى دين الإسلام عموما.
وثانيا: نعمة الهداية إلى السنة؛ إلى مذهب أهل السنة الذي هو مذهب الرسل وعقيدة الرسل؛ فإنها نعمة عظيمة.
مر من خلال قراءة الإمام تذكير المسلمين في قوله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يخبر بأن المخاطبين من أهل الإيمان في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا كانوا كفارا فمنَّ الله عليهم.
الهداية إلى الإسلام تعتبر منة. يقول الله تعالى: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ؛ فإذاً إذا اعتبرنا أنها نعمة وأنها منة؛ فإن علينا الاغتباط والفرح بهذه النعمة، وهي من فضل الله تدخل في قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يعني: يفرح المؤمنون بما تفضل الله به عليهم، وبما رحمهم.
فإذا عرفنا قدر هذه النعمة؛ فإن علينا أن نستمسك بها، وأن نحرص على تحقيقها؛ تحقيق نعمة الإسلام التي هدانا الله لها عموما، ثم تحقيق نعمة السنة التي ضل عنها الكثير من المسلمين.
يُذكِّر شيخ الإسلام الذين كتب إليهم؛ يذكرهم بفضل هذه الأمة؛ أنها الأمة التي فضلها الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثم يذكرهم أنها أمة وسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ؛ أي بين الأمم السابقة، ثم يذكرهم أن أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة. ذكر ذلك في هذه الرسالة، وذكره في العقيدة الواسطية.
يقول: هم وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم. ذكر توسطهم في باب الأسماء والصفات بين طائفتين؛ معطلة ومشبهة، وذكر توسطهم في أفعال الله تعالى بين طائفتين؛ مجبرة وقدرية، وذكر توسطهم في باب الوعيد بين طائفتين؛ الخوارج والمرجئة، وذكر توسطهم في الصحابة بين النواصب والروافض.
فإذا كانوا وسطا ... الوسط هو الخيار، ومعناه أن هذا المذهب لم يكن اعتماده على العقول؛ ككثير من المذاهب التي تعتمد على العقل؛ بل الاعتماد على العقل والنقل؛ اعتمادهم في مذهب أهل السنة على النقل الذي يوافق العقل. أما أكثر الملل والنحل والفرق فإنهم يعتمدون على العقل، ويدعون أن العقل مقدم على النقل، وأن النقل إذا جاء بشيء يخالف العقل فإنه لا يقبل. هكذا يقولون.
وقد نظرنا وإذا هم مختلفون؛ فمنهم من يثبت شيئا بالعقل، ثم ينفيه بعد مدة بالعقل. ويوجد طوائف وفرق يثبتون صفة بالعقل وآخر ينفونها بالعقل؛ فعلى هذا لا تصير العقول ميزانا دائما يُرجع إليها؛ بل إذا تحققنا أن المرجع هو الكتاب والسنة المنقولة إلينا نقلا متواترا؛ قوليا وعمليا؛ فإننا نجعلها هي المرجع، ونتأمل فيها تأملا دقيقا؛ فنجد أن كل ما فيها فإنه موافق للعقل، وأما الذين يقولون: إن فيها مخالفة للعقل. إنما أوتوا من ضعف عقولهم، وإلا فالعقول السليمة الصحيحة لا تخالف ما يقوله أهل السنة.
هذا هو القول الصواب في هذا الباب؛ باب التوسع في هذا مذكور في كتاب (العقل والنقل) لشيخ الإسلام الذي يسمى (درء تعارض العقل والنقل)، أو يسمى: موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، مطبوع في أحد عشر مجلدا، وطبعت من ذلك طبعات مختصرة، والآن نبدأ بالقراءة.

line-bottom