إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
46153 مشاهدة
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصراط


بعد ذلك ذكر الصراط، والصراط: حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم؛ فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيه أعمالهم، الصراط جاء في بعض الأحاديث: أنه جسر منصوب على متن جهنم يمر الناس عليه بأعمالهم ؛ جسر يعني: مثل الجسر الذي على النهر الذي يمشون عليه حتى يقطعوا به ماء النهر أو البحر من هنا إلى هنا، هذا الجسر منصوب على متن جهنم على أصلها وعلى فرعها؛ يمر الناس عليه بأعمالهم؛ يمرون عليه، ورد في بعض الروايات صفته، وإن كان فيها شيء بعض المبالغة، وورد أنه أدق من الشعر، أدق من الشعرة وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأدق من الشعر- والله أعلم بذلك- ومع ذلك يمشون عليه، ومنهم من يمر كالبرق- بسرعة البرق- ما هي؟ يعني: أنه يشع من هنا إلى هنا في لحظة، منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، يعني: كمرور الريح، يعني: مرور الرياح التي تسير بسرعة –سريعة- منهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب يعني: كالفرس الجواد أو كالبعير الجواد، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ماذا يكون هذا الذي يزحف زحفا؟ متى يقطع هذه المسافة؟ وعلى جانبتي الصراط كلاليب، الكلوب: هو الحديدة المحددة التي رأسها محدد، والتي معقوف رأسها، يقول: إنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يقدر قدرها إلا الله –تعالى- تخطف من أمرت بخطفه؛ فناج مسلم، ومخدوش ومكربس في النار.
الذين يمرون عليها كالبرق، لاشك أن الله -تعالى- قواهم؛ فهم يسرعون عليها مرورا سريعا، وكذلك الذين يمرون كالريح وغيره، هؤلاء أيضا ممن ينجون.
فنؤمن بهذا الصراط، أن الناس يمرون عليه، وقد فسر بذلك قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: الورود الذي ذكر في القرآن: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: وارد لهذه النار.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ينجي: الله -تعالى- المتقين فيجوزون بسهولة.
إذا دخلوا الجنة قالوا: أخبرنا الله -تعالى- بأننا نرد النار، فأين هي؟ فيقولون: إنكم مررتم بها على الصراط، وهى خامدة، وفي بعض الرويات أنها تقول للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، يعني: تجاوز فيتجاوز ولا يحس بها ولا يحس بحرارتها، جز يا مؤمن قد أطفأ نورك لهبي، كل ذلك دليل على أن الله -تعالى- رأف بعباده وأنه نجاهم.
أما هذه الكلاليب فإنها تتعلق بأحدهم فتخطفه -بإذن الله- فيسقط في النار، تخطف من أمرت بخطفه.
نؤمن بهذا الصراط، يقولون: إن الله -تعالى- نصب صراطا في الدنيا في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وأن الناس يسيرون عليه بأعمالهم.

فمن سار عليه بعمله إلى أن أتاه أجله، وتمسك به؛ سار على الصراط الأخروي سيرا سريعا ونجا منه، ومن كان سيره على هذا الصراط بطيئا أو بعيدًا عن التمسك به؛ صار سيره على ذلك الصراط بطيئًا.