إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
56723 مشاهدة print word pdf
line-top
الله سبحانه فوق عرشه بذاته، وفي كل مكان بعلمه

يقول: وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه.
هذه عقيدة أهل السنة: أن الله مستو على عرشه استواء يليق به، وأنه على عرشه بذاته، ومع ذلك فإنه قريب من عباده، فهو معهم كما جمع بين ذلك في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ أي: معكم بعلمه، يراكم ويطلع عليكم ويراقبكم، ويسمعكم ويبصركم، ولا تخفى عليه منكم خافية، وهو مع ذلك فوق عرشه، لا يحجزه ولا يحجبه عنكم حاجب.
وذلك مما يحمل العباد على أن يخافوا الله تعالى، يعظموه بأنه فوق العباد، وكذلك أيضا يعظموه ويحترموه بأنه قريب مجيب، وأنه يسمعهم وأنه معهم بعلمه في كل مكان، ولا يقال إنه في كل مكان بذاته، فإن هذا قول الحلولية، وإنما هو في كل مكان بعلمه، أي عالم بكل مكان، عالم بكل شيء، وبذلك نعرف أنه -سبحانه وتعالى- هو المطلع على عباده، وأنه العليم بأحوالهم، وأنه القاهر فوقهم: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ .
نتوقف هاهنا على خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، ونواصل القراءة إن شاء الله فيما سيأتي.
أسئـلة
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ -حفظك الله- ذكرت أن عبارة إن الله على ما يشاء قدير مدخولة وغير صحيحه، ولقد فهمت العلة، فجزاك الله خيرا، لكن أشكل علي أن هذه اللفظة وردت في حديث آخر أهل الجنة دخولا بلفظ: ولكني على ما أشاء قادر أو قدير. قال السائل: الشك مني، وهو في الصحيح، فكيف الجمع بينهما -حفظك الله-؟
لا مانع من ذلك أن الله قادر على ما يشاء، وقادر على كل شيء، وهو على ما يشاء قدير، وهو على ما لم يشأ على كل شيء قدير.
س: تقول السائلة: تسأل عن حكم الدش في بيت زوجها المتوفى، بأن ابنها أدخل الدش وهي ليست راضية عن ذلك، وذلك بقوله: إنه في غرفتي وأنا لا أنزله تحت في المنزل. فهل أنا الأم علي إثم بذلك، علما بأنه أصر على إدخاله من غير علمي؟
إذا لم يكن لها قدرة فهي معذورة، نقول: إن عليها أن تنصحه، وأن تكثر من نصحه وتوبيخه وعذله، وتحذيره من آثامه ومن آثاره، لعله أن ينتهي، وإذا لم يقبل فالإثم عليه.
س: يقول السائل: كيف نرد على المشبه الذي يحتج بالحديث إن الله تعالى خلق آدم على صورته ؟
هذا من علم الغيب، كلمة على صورته وردت في بعض الروايات على صورته يعني الضمير يرجع إلى الله، أو على صورته الضمير يرجع إلى آدم، ويقول العلماء: إننا إذا أثبتنا هذا الحديث فإننا ننزه الله تعالى عن أن يكون له شبيه. ونقول: إن هذا من أحاديث الصفات، ومع ذلك ليس كمثل الله تعالى شيء.
س: يقول السائل: وجدت نجاسة في ملابسي بعد صلاة العشاء بفترة، ولا أدري هل هي موجودة في الصلوات التي قبل فماذا علي؟ هل أعيد صلوات اليوم كله أم ماذا أفعل؟
نرى أنه لا إعادة عليه لأنه لم يعلم بها، إنما اختلفوا فيما إذا علم بها وتساهل وصلى بها، فأكثرهم على أنه يعيد، وهناك من يقول لا إعادة عليه.
س: امرأة ماتت وتركت زوجها وابنتين وولد فهل يرث أبوها شيئا وبقي لها عند زوجها مؤخر صداق، فهل يدفع المؤخر إلى أوليائها؟
إذا كان لها والد فإنه يرث السدس، وكذلك إذا كان لها أم ترث السدس، فلأبيها السدس وأمها إن كانت موجودة، وزوجها له الربع، والباقي لأولادها للذكر مثل حظ الأنثيين.
س: يقول السائل: امرأة توفي عنها زوجها وهي الآن في الحداد، وتسأل هل يجوز لها مشاهدة البرامج الدينية في التلفاز؟
يكره لها أن تنظر إلى الرجال -حتى ولو كانت غير حادة- وكذلك إلى الصور، ولكن إذا كان فيها فائدة وليست تقصد التفكر في الصورة فلعل ذلك جائز.
س: أسئلة وردت عن طريق الإنترنت من بعض الإخوة من خارج البلاد هذا السائل من دولة أيرلندا يقول: هل يجوز أكل لحم خنزير أو شحمه أو شرب الخمر إذا كان بنسبة قليلة في الطعام كأن يكون بنسبة واحد في المائة، والآكل يعلم بوجوده بذلك الطعام، وهل كونها بنسبة قليلة يجعلها مم استحل؟
الأصل أنه لا يجوز، لكن إذا لم يجد غيره، وكانت النسبة قليلة، وقد اضمحلت بمعنى أنها استحالت، ولم يبق لها طعم ولا أثر فالشيء القليل كواحد في المائة أو اثنين في المائة، قد يعفى عنه ويكون تابعًا؛ كما يعفى عن الشيء النجس الذي في الطعام ولا يؤبه له كقطرة من دم أو من بول اضمحلت وانمحت في الطعام والشراب ونحوه.
س: يقول السؤال الآخر:
هل يجوز دفع الربا للبنوك القروض الربوية لشراء البيوت بزعم الحاجة التي تُنزل بمنزلة الضرورة، وتم كذلك إلحاق السيارات بها والآن أُجيزت لأي حاجة، ونخشى أن يكون منها التلفاز والفيديو، وحجتهم: قول الإمام أبي حنيفة بجواز التعامل بالربا مع الكفار المحاربين في ديار الحرب، مع أن هؤلاء المفتين يرون عدم جواز خرق قوانين هؤلاء المحاربين، بل يرون لهم الطاعة، ودليلهم الأخر: أنها تكون من الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، والذي نراه أن كثيرا من الناس هنا بدأ في القروض الربوية .. بدأ في القروض الربوية؛ لأنه لا يريد أن يخسر أمواله للكفار وبعضهم يشتري بيوت بالربا ليؤجرها، فما حكم ذلك؟
الأصل التحريم الربا، والجمهور على أنه لا يباح لا مع الكفار ولا مع غيره، إلا أن الحنفية أباحوا التعامل بالربا مع الكفار المحاربين، وجعلوه مثل أخذ أموالهم غنيمة، وبكل حال فمثل هؤلاء قد يقال: أنه يجوز لهم أخذ هذه الفوائد، التي تسمى فوائد وهي في الحقيقة هي زيادات ربوية، ولكن نرى أنهم لا يأخذونها لأنفسهم، وإنما يصرفونها لغيرهم، فلا يجوز لهم أكلها وإدخالها في أموالهم لا في قيمة بيوت ولا في قيمة سيارات.
وكذلك أيضا: لا يتركونها للبنوك فإنهم إذا أخذوها دخلوا في آكل الربا، وإذا تركوها دخلوا في موكل الربا، حينئذ يحيلوا عليها جهة خيرية تصرفها في وجوه الخير، وتكون كمال الله الذي يفيئه على من يشاء من عباده؛ كالغنائم التي يغنمها المسلمون من الكفار وكالجزية والخراج ونحو ذلك من أموال الكفار، فهو أولى من أن يأخذوها، أو تترك لهم.
فالذي يتركها آثم، والذي يأكلها آثم: لعن الله آكل الربا وموكله فآكله: هو المتعامل به، وموكله: هو الذي يتركه لغيره ويسبب في أكلهم له، وأما إذا لم يكن متعاملًا به، وإنما أخذه من الذين يتعاملون به، وصرفه في وجه خيري أو في جهة خيرية، أو مثلًا صرفه في المساكين والمستضعفين ونحو ذلك؛ فلعل ذلك لا إثم فيه.
س: يقول السائل الآخر: هل يجوز التقريب بين المسلمين والكفار من النصارى ؟ وهل يجوز الذهاب إلى الكنيسة لتعزية الأقارب من النصارى؟
لا يجوز، ولا قرابة بل بينهم العداوة؛ كما في قول إبراهيم ومن معه: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ ولو كانوا أقارب فلا يجوز تعزيتهم، ولا يجوز دخول كنائسهم، ولا يجوز التقارب معهم، لكن تجب دعوتهم، وحثهم على الإسلام لعلهم أن يتقبلوا.
س: سائل من دولة كوريا يقول : ما هي شروط الإقامة في بلد الكفر إذا كان الإنسان يعمل هناك، هل المقيم يحرم عليه الجلوس؟ وهل يخرج من الحرج إذا أقام للدعوة؟
يجوز إذا كان للدعوة، يقدر على أن يدعو إلى الله، ويجوز أيضًا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ على إعفاء لحيته، وعلى لباسه كلباس المسلمين، وعلى رفعه الصوت بالآذان، وعلى قراءة القرآن، وعلى أداء الصلاة علانية، ونساؤه يتسترن التستر الكامل، فإذا كان يقدر على ذلك؛ جاز ذلك.
س: سائل من دولة فلسطين يقول: من هو المهدي المنتظر بالنسبة إلى أهل السنة والجماعة ؟ وبالنسبة إلى الشيعة؟
الأحاديث التي في المنتظر، في المهدي، قال بعض العلماء: إنها لم تبلغ درجة الصحيح، وإن كان بعض العلماء صححها يعني: كالترمذي وأبي داود وغيرهم، ولكن صححوها؛ لأجل كثرتها، فمن العلماء من يقول: إن المهدي هو ولد المنصور الخليفة الثالث من خلفاء بني العباس محمد بن عبد الله بن علي العباسي هذا ثالث الخلفاء سمى نفسه المهدي، فقال بعضهم : إنه هو المهدي، وأن الأحاديث التي فيها زيادات أنها تنطبق عليه نوعا ما، وأنكر ذلك ابن كثير وقال: إنها لا تنطبق عليه إلى آخر الصفات، وذهب آخرون إلى أنه لا يزال، وأنه يخرج في آخر الزمان منتظر، ورجح ذلك كثيرون ومنهم السيوطي في تأريخ الخلفاء.
كذلك الصفات التي وصف بها لم توجد في خليفة إلى الآن، وذهبت الرافضة إلى أن الخليفة هو محمد بن الحسن العسكري الخليفة الثاني عشر لهم ويسمونه المهدى المنتظر، ولا يزالون ينتظرونه، وزعموا أنه دخل سرداب سامراء في آخر القرن الثالث، ولا يزالون ينتظرونه طوال هذه السنين، وهم موقفون رجلا معه سيف ورمح وعنده فرس مسرجة، وهو ينادي طول الليل وطوال النهار: أخرج يا مولانا، أخرج يا مولانا، وينتظرونه، هذه أفعالهم من حدود سنة سبع وسبعين أو ست وسبعين ومائتين وألف، ولا أدري الآن هل هم إلى الآن يجعلون فرسا أو يجعلون سيارة؟! لكنهم لا يزالون دائما ينتظرونه، وفي كتاباتهم إذا ذكروه يرمزون بـ (عين وجيم) عَجْ أي عجل الله خروجه، ولا يزالون ينتظرونه.
ذكر ذلك ابن القيم في آخر رسالته التي سماها: المنار المنيف في الصحيح والضعيف ذكر أقوال الناس في المهدي أنها أربعة: منهم من قال: إنه لا يزال، ومنهم من قال: إنه ولد المنصور ومنهم من قال: إنه عيسى لحديث ورد: لا مهدي إلا عيسى ومنهم من قال: إنه غيرهم، ثم ذكر قول الرافضة، وأفعالهم هذه العجيبة، وأنشد بيتين يقول:
ما آن للسرداب أن يلـد الـذي
حـملتموه بـزعمكـم مـا آن
فعلـى عقولكم العفـاء فإنكـم
ثلثتـم العنقــاء والغــيلان
على عقولهم العفاء.
س: يقول السائل من دولة أيرلندا هل لفظ الاختلاط لفظ دخيل على المصطلحات الإسلامية؛ فعندنا من يجيز الاختلاط بشروط ثلاث: عدم التماس، وعدم الخلوة ، وعدم التبرج، ولا يرون بأسا من جلوس النساء بجانب الرجال على الكرسي في صف واحد، ويجيزون الدخول من باب واحد.
هذا من الخطأ، بل لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء إلا بالمحارم، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها فكانت صفوف النساء متأخرة في آخر المسجد، وصفوف الرجال متقدمة، لو كان يجوز الاختلاط ولو مع التحجب لأذن لهم، وكذلك كان يجعل للنساء بابًا، وينهى الرجال أن يخرجوا حتى يخرج النساء؛ وذلك لأن الاختلاط، ولا شك يلزم منه المماسة والمقاربة وذلك من أسباب الفتنة.

line-bottom