شرح رسالة أبو زيد القيرواني
الإيمان بصفات الله بلا تكييف
ثم يقول: ولا يبلغ كنه صفاته الواصفون.
الكنه هو الكيفية، يعني الكيفية التي هو عليها، نحن نؤمن بأن لله تعالى ذاتا وبأن له صفات، ولكن لا نعرف كيفية ذاته، ولا نعرف كيفية صفاته، يعني كنهها وماهيتها وما هي منه، فإن هذا شيء لا تبلغه أفهامنا، ولا تبلغه معرفتنا، بل نحن قاصرون عن ذلك، يقول الله تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> .
الكنه والكيفية هو الماهية، لا يجوز أن يخوض الإنسان في ماهيته، ولذلك روي أن اليهود -بعض ملاحدتهم- قالوا: يا محمد اسم> صف لنا ربك، هل هو من ذهب؟ هل هو من جوهر؟ هل هو من كذا وكذا؟ أنزل الله سورة الإخلاص أو أمره أن يقرأها: رسم> قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قرآن> رسم> فلا يجوز أن يخوض الواصفون في وصفه ولا في كنه ذاته.
فلا يبلغه وصف الواصفين؛ وذلك لأن المخلوق قاصر عن أن يحيط بأصغر المخلوقات، يعني عندنا مثلا خلق من خلق الله وهم الأرواح لا ندري ماهيتها، قال تعالى: رسم> وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قرآن> رسم> الإنسان مركب من جسد وروح، ما دامت الروح في هذا الجسد فإنه يتحرك، وإذا خرجت بقي جثة ليس فيه حركة، يقال: خرجت روحه. لكن هل رأينا هذه الروح؟ ما رأيناها؛ فلأجل ذلك إذا لم نعلم كيفية الروح فإننا لا يمكن أن نعرف كنه ذات الرب ولا كنه صفاته، فلا يبلغ كنه صفاته الواصفون.
كتب بعض الملاحدة أو المعطلة اعتراضا على بعض المحاضرات التى ألقاها بعض أهل السنة، أثبت فيها أن الله تعالى سميع بصير، وأنه يسمع الأصوات، وأنه يبصر المبصرات، وأنه متكلم، ثم إن بعض أولئك المعطلة كتب عليه اعتراضا يقول: إنكم تثبتون أن لله سمعا، السمع لا يكون إلا بآذان وبأصمخة وبطبقات آذان وبما تحتوي عليه الآذان من طبقاتها، وإنكم تقولون إن الله يبصر وإن له عينين، والعينان لا بد لهما من أجفان ولا بد لهما من طبقات ولا بد لهما من كذا وكذا، وإذا قلتم إنه يتكلم فالكلام لا بد أن يكون له لسان وله شفتان وله لهوات وأسنان ونحو ذلك، فتكونون بذلك مشبهين. وهكذا يقول أولئك الملاحدة الذين ينكرون صفات الله تعالى.
ونحن نقول: إن هذا من الاعتداء، نحن نقول: إن الله تعالى يتكلم كما يشاء، وليس كلامه ككلامنا، وليس بحاجة إلى ما نحن بحاجة إليه، وكذلك سمعه وبصره ليس كسمع وبصر المخلوقات، وقد رددنا عليه في رسالة مطبوعة اسمها الرد على مبدل الحقائق.
فنقول: إن هؤلاء الذين يطعنون على أهل السنة كلما أثبت أهل السنة صفة قالوا: شبهتم. أي شبهتم الله تعالى بصفاته، ونحن نقول: إننا قاصرون، وعلومنا قاصرة، لا نبلغ أن نصف الله تعالى بصفة من قِبَل أنفسنا، وإنما نقتصر على ما أثبته الله ونقول: إن صفات الله تعالى لا يمكن أن تبلغها أفهامنا، ولا أن تصل إليها أذهاننا. فبذلك نحن إنما نصفه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به ورسوله.
لا يبلغ كنه صفاته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون.
المتفكرون الذين يتفكرون في ذات الله مع أن ذلك ينهى عنه، جاء عن بعض السلف أنهم قالوا: تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق. يعني: لا تجيلوا أذهانكم في صفات الله تعالى ولا تتفكروا في ذاته، بل عليكم أن تعتقدوا أنه متصف بصفات الكمال، وأما أنكم تفكرون وتجيلون عقولكم في كيفية صفاته فإنكم لا تبلغون ذلك؛ لقوله تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> .
لا يحيط بأمره المتفكرون أي: بشأنه، يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ماهية ذاته لا يتفكرون إنما يعتبرون بآياته، آياته التي خلقها، التي نصبها لعباده كقوله تعالى: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قرآن> رسم> رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ قرآن> رسم> ونحو ذلك، يعني الآيات التي نصبها وأمرنا بأن نتفكر فيها، ولا نتفكر في ماهية ذاته، ماهيتها يعني ما هي منه، لا نتفكر في الماهية أي: في كنه الذات التي يتفكر فيها المتفكرون.
فلا يجوز أن نتفكر فيها وبذلك -في هذه النسخة- في حقيقة ذاته، وفي هذه ولا يتفكرون في مائية ذاته كأن المراد أن يقال: ما ذاته، فعبر بمائية، ويمكن أن الأصل ماهية يعني ما هي، ما هي ذاته رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ قرآن> رسم> هذا جزء من آية الكرسي رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ قرآن> رسم> علمه لا يحيط به خلقه إلا ما أطلعهم عليه، مع أن علم المخلوقات لا يسع إلا شيئا يسيرا مما علمهم الله.
جاء في قصة الخضر اسم> مع موسى اسم> لما ركبوا في السفينة، أي جاء عصفور فنقر من البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر اسم> ما نقص علمي وعلمك وجميع الخلق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> الكرسي مخلوق من مخلوقات الله تعالى، ورد أن الكرسي كالمرقاة بين يدي العرش، وفسره بعض الصحابة بأن الكرسي موضع القدمين، وذكر بعضهم أنه العرش، وأما المعتزلة فإنهم حرفوه، أوَّلوه بأن الكرسي هو العلم، رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ قرآن> رسم> يعني علمه رسم> السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> وهذا تحريف للكلم عن مواضعه.
جاء في بعض الآثار: رسم> ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس رسم> الترس هو المجن الذي يستر به الرأس مثل الطاقية، يعني أن الدرهم قطعة من الفضة قدر الظفر، ماذا تشغل سبعة دراهم ألقيت في هذا الترس؟ السماوات والأراضون السبع كلها في هذا الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس، أليس ذلك دليل على عظمة هذا الكرسي؟
وجاء في حديث آخر: رسم> ما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت بأرض فلاة رسم> الحلقة قطعة الحديد المتلاقية الطرفين، حلقة من حديد ألقيت في أرض فلاة ماذا تشغل؟ لا شك أنها لا تشغل إلا شيئا يسيرا بالنسبة إلى الفلاة.
رسم> وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا قرآن> رسم> أي: لا يكلفه ولا يشق عليه ولا يكرهه، ولا يثقله حفظ السماوات والأرض، بل هو سهل يسير عليه رسم> وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ قرآن> رسم> أثبت الله تعالى لنفسه العلو، وأثبت لنفسه العظمة، ولهذا جيء بهما في تسبيح الركوع والسجود، ففي السجود تقول: سبحان ربي الأعلى وفي الركوع: سبحان ربي العظيم العلي بأنواع العلو، أي بالعلو بأنواعه كلها، العلي علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، علي بجميع أنواع العلو، علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، رسم> وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ قرآن> رسم> العظيم الذي هو أعظم من كل شيء، فلا يقاس بخلقه.
مسألة>