لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
احتفال التحفيظ مع كلمة الشيخ
3488 مشاهدة
رفعة وعلو صاحب القرآن

‌وكذلك لو كان فقيرًا رفعه هذا العلم، رفعه الله تعالى بهذا القرآن كما ورد في بعض الأحاديث : إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين فمن وفقه الله تعالى واجتهد في حفظ القرآن فهو ممن اختاره الله، وممن فضله، وممن يكون له الشرف في عاجل أمره وفي آجله، حتى أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- لما قُتل القتلى في غزوة أُحد وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في قبر، أمر بأن يُقدم الأكثر أخذًا للقرآن يُقدم؛ وذلك لشرفه وفضله.
وسمعنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- خيركم من تعلم القرآن وعلمه بدأ بالمتعلم؛ وذلك لأنه يحوز فضلا، ولأنه يتعلم لنفسه ويتعلم لغيره، ولأنه إذا تعلم فإنه بعد ذلك يكون معلمًا، ولا شك أن هذا دليل على فضل من عرف القرآن وحفظه واجتهد فيه.
ولا شك أن كثيرًا من الناس في هذه الأزمنة المتأخرة قد انصرفوا عن القرآن إلا ما شاء الله؛ وذلك أن الكثير اشتغلوا بما لا أهمية له صغارًا وكبارًا، فالكبار: اشتغلوا بوظائفهم أو بحرفهم وتجاراتهم أو بحروثهم وأشجارهم، أو بمواشيهم وبهائمهم؛ فكان ذلك مما صدهم عن تعلم كتاب الله تعالى، وتعلم معانيه فبقوا على جهل؛ فمنهم من يتخبط في العبادات، ويفعلها بغير دليل وبغير معرفة بكيفية أدائها، ومنهم من يتعلم كيفية أداء العبادة ولكن لا يدري ما مبطلاتها؟ فقد يقع في بعض المبطلات التي تبطل عليه صلاته أو عبادته فيكون بذلك مفرطا.