الرد على ابن حزم
حجية القياس
والحاصل أن إلحاق المسكوت عنه بمنطوق أمر لا شك فيه، وأن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، والله -جل وعلا- قد بين نظائر في القرآن كثيرة يعلم بها إلحاق النظير بالنظير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد أمته إلى ذلك في أحاديث كثيرة.
فمن ذلك أن عمر بن الخطاب اسم> -رضي الله عنه- لما سأل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن القبلة للصائم، فقال له: رسم> أرأيت لو تمضمضت؟ متن_ح> رسم> فهذا إشارة من النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى قياس المضمضة على القبلة، بجامع أن القبلة مقدمة الجماع، وأن المضمضة مقدمة الشرب فكل منهما مقدمة إفطار، وليست بإفطار، ومحل كون القبلة كالمضمضة إذا كان صاحبها لا يخرج منه شيء، أما إذا كانت القبلة تخرج منه شيئا فهو كالذي إذا تمضمض ابتلع شيئا من الماء فحكمه حكمه.
وكذلك ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث متعددة في ذلك في الصحيحين أنه سأله رجل مرة، وامرأة مرة عن دين يقضيانه على ميت لهما، مرة تقول: أبي، ومرة تقول: أمي، وكذلك الرجل، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم رسم> أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ينفع؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى متن_ح> رسم> .
هو تنبيه منه -صلى الله عليه وسلم- على قياس دين الله على دين الآدمي بجامع أن الكل حق يطالب به الإنسان، وأنه يقضى عنه بتغريم مستحقه.
وأمثال هذا كثيرة، ومن أصرحها ما ثبت في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- جاءه ... من سواد الغلام، وظن أنها زنت برجل أسود، وجاءت منه بهذا الولد فجاء للنبي-صلى الله عليه وسلم- منزعجا، وأخبره أنها جاءت بولد أسود، وكان يريد أن يلاعنها، وينفي عنه الولد باللعان، زعما أن هذا الولد من ثان أسود، وأنه ليس ولده؛ لأنه هو أبيض وزوجته بيضاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر الألوان. قال: هل فيها من أورق؟ متن_ح> رسم> والأورق المتصف بلون الورقة، والورقة لون كلون حمام الحرم يعني سواد يعلوه بياض يكون في الإبل.
رسم> قال الرجل: إن فيها لورقة، قال: ومن أين جاءتها تلك الورقة؟ آباؤها حمر، وأمهاتها حمر فمن أين جاءتها الورقة؟ قال: لعل عرقا نزعها، قال له: وهذا الولد لعل عرقا نزعه متن_ح> رسم> فاقتنع الأعرابي وهذا إلحاق نظير بنظير. وبالجملة فنظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، وهذا مما لا يشك فيه، وأن القياس منه قياس صحيح لا شك فيه كالأمثلة التي ذكرنا، ومنه قياس فاسد.
والقرآن ذكر بعض الأقيسة الفاسدة، وبعض الأقيسة الصحيحة، فمن الأقيسة الصحيحة في القرآن قوله تعالى: رسم> إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قرآن> رسم> لما اليهود قالوا: إن عيسى اسم> لا يمكن أن تلده مريم اسم> إلا من رجل زنى بها، وقالوا لها: رسم> يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا قرآن> رسم> .
وهذا الولد لا بد أن يكون له والد، وهذا الوالد رجل فجرت معه، وزنيت به، فالله -جل وعلا- قاس لهم هذا الولد على آدم اسم> بجامع أن آدم اسم> خلق ولم يكن له أم ولا أب، فالذي خلق آدم اسم> ولم يكن له أب ولا أم فهو قادر على أن يخلق عيسى اسم> من أم، ولم يكن له أب كما خلق حواء اسم> من ضلع رجل.
فالله -جل وعلا- جعل خلق الإنسان قسمة رباعية بعض خلقه لا من ذكر ولا أنثى، وهو آدم اسم> وبعض خلقه من أنثى ولا ذكر، وهو عيسى ابن مريم اسم> وبعض خلقه من ذكر دون أنثى، وهي حواء اسم> ؛ لأن الله يقول: رسم> خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ قرآن> رسم> أي آدم اسم> رسم> وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا قرآن> رسم> .
والقسم الرابع خلقه من ذكر وأنثى فقاس عيسى اسم> على آدم اسم> بجامع أن الذي أوجد آدم اسم> بقدرته يوجد عيسى اسم> بقدرته، وأمثال هذا كثيرة، فجاء به.
وكذلك قاس الموجودين في زمان النبي على الأمم الماضية، وقال لهم: رسم> أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قرآن> رسم> ثم بين إلحاق النظير بالنظير فقال: رسم> وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا قرآن> رسم> .
كأن الموجودين في زمن النبي فرع والكفار المتقدمون أصل، والحكم الذي عمهم المهدد به العذاب والهلاك، والعلة الجامعة تكذيب الرسل والتمرد على رب العالمين، وأمثال هذا في القرآن كثيرة.
وكذلك ما يسمونه قياس العلة، وهو الجمع بين الأصل والفرع بدليل علة يكثر في القرآن جدا كقوله جل وعلا: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى قرآن> رسم> فقاس إحياء الموتى الذي ينكره منكرو البعث على إحياء أرض مشاهد؛ لأن كلا منهما إحياء، وهذا الإحياء للموجود يدل على قدرة قادر كاملة باهرة، يقدر بها من اتصف بها على إحياء الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها.
وكما استدل -جل وعلا- بقياس الأولى على الأدنى، واستدل بأن من خلق السماوات والأرض لا يعجز عن خلق الإنسان الصغير الحقير بعد الموت، كما قال: رسم> أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا قرآن> رسم> الآية، وقال: رسم> لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ قرآن> رسم> ومن قدر على خلق الأكبر فهو قادر على خلق الأصغر.
وقال جل وعلا: رسم> أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى قرآن> رسم> وقاس النشأة الأخرى على النشأة الأولى فقال: رسم> وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى قرآن> رسم> والإيجاد الأول فلما قستم عليه النشأة الأخرى والإيجاد الأخير، وعلمتم أن من قدر على الأول قادر على الثاني، كما قال: رسم> قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قرآن> رسم> وأمثال هذا كثيرة جدا.
أما القياس الفاسد الذي بني مخالفا للنصوص كقياس إبليس-لعنه الله- وكالأقيسة المخالفة للنصوص، وكأقيسة الشبه المبنية على الفساد فإن الكفار جاءوا بقياس الشبه كثيرا باطلا، ومثله باطل.
كما قالوا في يوسف اسم> عليه على نبينا الصلاة والسلام: رسم> إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قرآن> رسم> فأثبتوا السرقة على أخ يوسف اسم> لأن يوسف اسم> قد سرق قبلهم، قالوا: الأخ يشابه الأخ فيلزم من مشابهتهما أن يكونا متشابهين في الأفعال، وأن هذا سرق كما سرق ذلك، وهذا قياس شبه باطل، وهذا النوع من القياس كقياسات إبليس الباطلة.
والكفار -لعنهم الله- كذبوا جميع الرسل بقياسات شبه باطلة، لأنه ما جاء رسول إلى قوم إلا قالوا له: أنت بشر، وكونك بشر يجعلك تشبه سائر البشر، ولا نقبل أن تكون رسولا من رب العالمين، وأنت تأكل كما نأكل، وتشرب مما نشرب، وتمشي في الأسواق كما نمشي فيها، ونص الله على أن هذا منع كل أمـة قال: رسم> وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قرآن> رسم> فشبهوا البشر بالبشر قياس شبه، واستنتجوا من ذلك أنه لا تكون له أفضلية على البشر.
والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- ردوا عليهم هذا القياس، ورده الله عليهم في آيات، لما قالوا للرسل: رسم> إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا قرآن> رسم> أجابهم الرسل قالوا: رسم> إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ قرآن> رسم> فمشابهتنا في البشرية لا تستلزم تفاوتنا في فضل الله، كما قال جل وعلا: رسم> أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا قرآن> رسم> رسم> وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ قرآن> رسم> .
وقالوا فيه: رسم> يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ قرآن> رسم> رسم> أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ قرآن> رسم> وهذا كثير في القرآن، وهذه الأقيسة الفاسدة.
والحاصل أن القياس منه صحيح ومنه فاسد، فالصحيح هو الذي أجمع عليه الصحابة، والتابعون، وأئمة المسلمين، وأحكام الصحابة في القياس لا يكاد أحد يحصيها؛ فقد جاء في صحيح البخاري اسم> عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن المجتهدين يختلفون في اجتهادهم، وكلهم لا إثم عليه ولا ضرر عليه؛ لأنه قد ثبت في صحيح البخاري اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة متن_ح> رسم> .
هذا نص صحيح صريح سمعه الصحابة بآذانهم من رسول الله، ثم راحوا من المدينة اسم> إلى ديار بني قريظة.
وأدركتهم صلاة العصر في الطريق فاختلفوا في فهم هذا الحديث، وكل اجتهد بحسب ما أدى إليه فهمه، فجماعة قالوا: ليس مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نؤخر صلاة العصر عن وقتها، ولكن مراده الإسراع إلى بني قريظة فنصلي ونسرع فصلوا العصر وأسرعوا.
وجماعة قالوا: العصر وجبت علينا على لسانه -صلى الله عليه وسلم- فلو قال لنا: اتركوها إلى يوم القيامة تركناها إلى يوم القيامة، ولو قال: اتركوها إلى قريظة تركناها إلى قريظة، وجاءوا النبي ولم يصلوا، واجتمعوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم في خلاف بين مشرق ومغرب لأن من صلى ومن لم يصل مختلفان. فهو- صلى الله عليه وسلم- قررهم جميعا، ولم يخطئ أحدا منهم.
ولو كان واحد منهم فعل غير صواب وأمرا حراما لما أقره الرسول عليه-صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يقر على باطل، ولا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.
وثبت في صحيح البخاري اسم> عن الحسن البصري اسم> -رحمه الله- ما مضمونه ومعناه أنه كان يقول: لولا آية من كتاب الله أشفقت على المجتهدين، وهي قوله تعالى: رسم> وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ قرآن> رسم> الآية؛ لأن الله جل وعلا صرح بأنهما حكما حيث قال: رسم> إِذْ يَحْكُمَانِ قرآن> رسم> بألف الاثنين الواقعة على داود اسم> و سليمان اسم> .
ثم قال: رسم> فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ قرآن> رسم> ولم يقل شيئا عن داود اسم> فعلم أن داود اسم> لم يفهمها؛ لأنها لو فهمها الأب لما اقتصر على الابن، ولما كان للاقتصار على سليمان اسم> فائدة مع أنهما فهماها، ولو كان هذا وحيا من الله لما فهمه أحدهما دون الآخر؛ لأن الوحي أمر لازم للجميع، فدل على أنهما اجتهدا، وأن داود اسم> لم يصب في اجتهـاده، وأن سليمـان اسم> أصاب في اجتهاده، فالله أثنى على كل منهما، ولم يعنف داود اسم> بل قال بعـده: رسم> وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا قرآن> رسم> .
وقد ثبت في الصحيحين ما يستأنس به لهذا لأنه قد ثبت في الصحيحين أن داود اسم> -عليه السلام- في زمنه جاءته امرأتان نفستا، وجاء الذئب فاختطف ابن واحدة منهما، وكانت التي اختطف ولدها هي الكبرى، وبقي ولد الصغرى فقالت الكبرى: هذا ولدي، وتنازعتاه، فتحاكمتا إلى داود اسم> فقضى به للكبرى اجتهادا منه لأمارات ظهرت له، أو لشيء في .. يقتضي ظاهره ذلك بالاجتهاد، فرجعتا إلى سليمان اسم> فلما رجعتا إلى سليمان اسم> قال: كل واحدة منكما تدعيه، هاتوا بالسكين أشقه بينهما نصفين، فأعطي نصفه لهذه ونصفه لهذه، كان أبو هريرة اسم> يقول: ما سمعت بالسكين إلا ذلك اليوم ما كنا نقول لها إلا المدية، فلما قال: إنه يشقه جزعت أمه التي هي الصغرى، وأدركتها رأفة على الولد فقالت له: لا، يرحمك الله، هو ابنها، وأنا لا حق لي فيه، وكانت الكبرى راضية بأن يشق لتساويها أختها في المصيبة، فعلم سليمان اسم> أن الولد للصغرى فقضى به للصغرى.
وذكر ابن عساكر اسم> في تاريخه ما يشبه هذه القصة عن داود اسم> و سليمان اسم> إلا أنه في تاريخ ابن عساكر اسم> والله أعلم بصحة القصة وعدم صحتها، إلا أن هذا الذي ذكرنا الآن اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة اسم> .
والقصة التي ذكرها ابن عساكر اسم> في تاريخه أنه كان أربعة من أشراف بني إسرائيل راود امرأة جميلة من بني إسرائيل عن نفسها، وكانت بارعة الجمال فمنعتهما، وحاولا أن يصلا إليها فامتنعت، فاتفقوا على أن يحتالوا عليها حيلة فيقتلونها.
فزعوا وشهدوا عند داود اسم> أن عندها كلبا علمته الزنا، وأنها تزني بكلبها، وكان مثل هذا عند داود اسم> يقتضي حكم الرجم فدعا داود اسم> بالشهود فشهد الأربعة على أنها تزني بكلبها فرجمها داود اسم> قالوا: وكان سليمان اسم> إذ ذاك صغيرا فجمع سليمان اسم> الصبيان وجعل منهم شرطا، قال: فلان وفلان جعلهم كالشرطيين، وأخذ قوما وجعلهم شهودا، وجاءوا يشهدون.
وجعل رجلا كأنه المرأة، وقالوا: نشهد أن هذه زنت بكلبها، ثم قال سليمان اسم> للصبيان الذين جعلهم كالشرط: خذوا كل واحد منهم، وفرقوهم وأتوني بهم واحدا واحدا، فجاءوه بالأول فقال: ما تقول في شهادتك؟ قال أقول: إنها زنت بكلبها، قال له: وما لون الكلب؟ قال: كان كلبها أحمر.
ثم دعا بالثاني فقال له: وما لون الكلب؟ قال: كان كلبها أسود، ثم دعا بالآخر فقال: أغبر، فاختلفت أقوالهم في لون الكلب فعلم أنهم كذبة، فقال: اقتلوهم لأنهم قتلوها، فسمع داود اسم> الخبر فأرسل بالشهود حالا، وفرقهم وجاءوه واحدا واحدا فسألهم، فاختلفوا في لون الكلب فعلم أنهم شهدوا عليها شهادة زور ليقتلوها حيلة فقتلهم قصاصا.
هكذا قال، والله أعلم.
وعلى كل حال فالقياس هو قسمان: قياس صحيح، وقياس فاسد.
فما جاء به الظاهرية .. من قياس و.. هو ينطبق على القياس الفاسد، والصحابة كانوا في غنى على القياس الصحيح.
وقد جاء عن علي بن أبي طالب اسم> -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لما أرسله إلى اليمن اسم> جاءه ثلاث نفر يختصمون في غلام كلهم يقول: هو ابني، فقال: اقترعوا على الغلام. فوقعت القرعة لواحد منهم فقال للذي جاء الغلام في نصيبه- قال له: خذ الغلام، وادفع لكل واحد منهما ثلث الدية ثلث دية الغلام. قالوا: فلما بلغ قضاؤه النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحك من قضاء علي اسم> هذا حتى بدت نواجذه.
ومن ذلك حديث معاذ اسم> الذي قال له: رسم> بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم متن_ح> رسم> .
وهذا الحديث يقول ابن حزم اسم> إنه باطل، لا أصل له؛ لأنه رواه الحارث بن عمرو.. اسم> عن ناس من حمص اسم> مجهولين فهو رواية مجهول عن مجاهيل وأن الاستدلال به ضلال.
وقد قال ابن كثير اسم> في مقدمة تفسيره: إنه رواه أصحاب السنن بإسناد جيد.
وذكر بعض العلماء أنه جاء من طريق عبادة بن نسي اسم> عن عبد الرحمن بن غنم اسم> عن معاذ بن جبل اسم> .
وهذا الإسناد منهما صحيح لا شك في صحته؛ لأن رجاله معروفون، إلا أن البلية مما قبل عبادة بن نُسي اسم> والظاهر أنه رواه عن عبادة بن نسي اسم> هو محمد بن حسان المصلوب اسم> الذي صلبه أبو جعفر المنصور اسم> في الزندقة، وهو كذاب لا يحتج به.
فالحاصل أن حديث معاذ اسم> لا طريق له إلا طريق السنن التي فيها الحارث بن عمرو اسم> عن قوم من أصحاب معاذ اسم> من أهل حمص اسم> .
والذين قالوا: إن الحديث صحيح، وأنه يجوز العمل به استدلوا بأمرين: أحدهما: أن الحارث بن عمرو اسم> المذكور وثقه ابن حبان اسم> وإن كان ابن حبان اسم> له تساهل في التوثيق فالحديث له شواهد قوية يعتضد بها كحديث الصحيحين: رسم> إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران متن_ح> رسم> .
قالوا: وليس في أصحاب معاذ بن جبل اسم> ليس فيهم مجروح بل كلهم عدول.
وإذا كان الحارث اسم> موثقا، وأصحاب معاذ اسم> كلهم عدول فالحديث مقبول.
وكذلك قالوا: إن علماء المسلمين تلقوا هذا الحديث خلفا عن سلف، وتلقي العلماء للحديث بالقبول يكفيه عن الإسناد.
وكم من حديث اكتفى بصحته عن الإسناد، واكتفى بعمل العلماء به في أقطار الدنيا؛ لأن هذه الأمة إذا عمل علماؤها في أقطار الدنيا بحديث دل على أن له أصلا، واكتفى بذلك عن الإسناد.
وعلى كل حال فالقياس الباطل هو المذموم، والقياس الصحيح هو إلحاق النظير بالنظير على الوجه الصحيح لا شك في صحته، وأن الصحابة كذلك كانوا يفعلون، يلحقون المسكوت عنه بالمنطوق به، وهذا كثير، وقد مثلنا له بأمثلة كثيرة.
ونرجو الله -جل وعلا- أن يوفقنا لما يرضيه، وأن يختم لنا بالسعادة. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واختم بالعافية غدونا وآصالنا. واجعل الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، وأمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنـا في سبيلك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، وأن نعمل صالحا ترضاه...
مسألة>