لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
الرد على ابن حزم
6281 مشاهدة
حكم ما سكت عنه الوحي

أولا- ليعلم السامعون أن ما كل ما سكت عنه الوحي يمكن أن يكون عفوا، بل الوحي يسكت عن أشياء لا بد البتة من حلها.
ومن أمثلة ذلك مسألة العول، فكما قال الفرضيون: إن أول عول نزل في أيام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ماتت امرأة وتركت زوجها، وأختيها، فجاء زوجها وأختاها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال الزوج: يا أمير المؤمنين، هذه تركة زوجتي، ولم تترك ولدا، والله يقول في محكم كتابه: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فهذه زوجتي، ولم يكن لها ولد فلي نصف ميراثها بهذه الآية، ولا أتنازل عن نصف ميراثي بدانق.
فقامت الأختان وقالتا: يا أمير المؤمنين، هذه تركة أختنا، ونحن اثنتان، والله يقول: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ والله لا نقبل النقص عن الثلثين بدانق. فقال عمر -رضي الله عنه- ويلك يا عمر والله إن أعطيت الزوج النصف لم يبق للأختين ثلثان، وإن أعطيت الثلثين للأختين لم يبق للزوج نصف.
فنقول: يا ابن حزم كيف نسكت عن هذا؟
وكيف يكون هذا عفوا؟ والوحي سكت عن هذا، ولم يبين أي النصين ماذا نفعل فيهما؟ فهذا لا يمكن أن يكون عفوا، ولا بد من حله فلا نقول لهم: تهارشوا على التركة تهارش الحمر، أو ننزعها من واحد إلى الآخر فلا بد من إلحاق للمسكوت عنه بالمنطوق به، وحل معقول بالاجتهاد.
فجمع عمر -رضي الله عنه- الصحابة، وأسف كل الأسف أنه لم يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العول في مثل هذا فقال له العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أرأيت هذه المرأة لو كانت تطالب بسبعة دنانير دينا، وتركت ستة دنانير فقط ماذا كنت فاعلا؟
قال: أجعل الدنانير الستة سبعة أنصبة، وأعطي لكل واحد من أصحاب الدنانير نصيبا من الستة قال: كذلك فافعل.
أصل فريضتها من ستة؛ لأن فيها نصف الزوج يخرج منه اثنين، وثلثا الأختين يخرج منه ثلاثة. ومخرج الثلث ومخرج النصف متباينان فنضرب اثنين في ثلاثة بستة، ثم اجعل نقطة زائدة هي المسماة بـ العول فهي فريضة عائلة بسدسها إلى سبعة فجعل تركة المرأة سبعة أنصبة، وقال للزوج: لك نصف الستة، وهي ثلاثة. تخرج الثلاثة من سبعة فبقي من السبعة أربعة فقال للأختين: لكما الثلثان من الستة، وهما أربعة فخذاها من سبعة فصار النقص على كل واحد من الوارثين، ولم يضيع نصا من نصوص القرآن.
وكان ابن حزم في هذه المسألة يخطئ جميع الصحابة ويقول: إن العباس مع أئمة الصحابة على غلط، وأن هذا الفعل الذي فعلوا لا يجوز، وأن الحق مع ابن عباس وحده الذي خالف عامة الصحابة في العول وقال: الذي ... لم يجعل في شيء واحد نصفا وثلثين فرأي ابن عباس أن الورثة إذا كان أحدهما أقوى نقدمه، ونكمل له نصيبه، ونجعل النقص على الأضعف.
فابن عباس في مثل هذا يقول: إن الزوج يعطى نصفه كاملا لأن الزوج لا يحجبه الأبوان، ولا يحجبه الأولاد بخلاف الأختين، فهما أضعف سببا منه؛ لأنهما يحجبهما الأولاد، ويحجبهما الأب. قال: ونعطي للأختين نصفا. وهذا تلاعب بكتاب الله.
الله يقول: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وهو يقول: فلهما النصف فهذا عمل بما يناقض القرآن مع أن ابن حزم ورأي ابن عباس تقضي عليه وتبطله المسألة المعروفة عند الفرضيين بالمنبرية. وإنما سميت المنبرية؛ لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- أفتى بها وهو على المنبر في أثناء خطبته؛ لأنه ابتدأ خطبته على المنبر فقال: الحمد لله الذي يجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى. فسمع قائلا يقول: ما تقولون فيمن هلك عن زوجة، وأبوين، وابنتين؟ فقال علي -رضي الله عنه- صار ثمنها تسعا ومر في خطبته.
وقوله: صار ثمنها تسعا لأن هذه فريضة فيها ابنتان، وأبوان، وزوجة. الابنتان لهما الثلثان، والأبوان لكل واحد منهما السدس فذلك يستغرق جميع التركة، لأن السدسين ثلث، وتبقى الزوجة تعول الفريضة وأصلها من أربعة وعشرين، والأربعة والعشرون ثمنها ثلاثة فيعال فيها بثمن الزوجة، والثمن من أربعة وعشرين ثلاثة.
وإذا ضم الثمن الذي عالت به الفريضة إلى أصل الفريضة ثم ثلاثة العول، وهو الثمن الذي عيل به للزوجة إلى الأربعة والعشرين التي هي أصل الفريضة صارت سبعة وعشرين، والثلاثة من السبعة والعشرين تسعها، ومن الأربعة والعشرين ثمنها.
فهذه .. ابن حزم أيهما يحجب؟ هل البنتان تحجبان؟ لا، والله. هل الأب والأم يحجبان؟ لا، والله. هل الزوجة تحجب؟ لا، والله.
ليس فيهم من يحجبه أحد، وكلاهما أهل فروض منصوصة في كتاب الله، ولا يحجب أحد منهم أبدا.
ففي هذا يذكر قوله: إن من هو أضعف سببا فإنه يحجب وقدموا عليه غيره.
ثم لتعلموا أن الحقيقة الفاصلة في هذا أنه ورد عن السلف من الصحابة ومن بعدهم كثير من الآثار المستفيضة في ذم الرأي والقياس، وأجمع الصحابة والتابعون على العمل بالقياس، واستنباط ما سكت عنه مما نطق به الوحي.
هذا أمر لا نزاع فيه، فمن جمد على النصوص، ولم يلحق المسكوت عنه بالمنطوق به فقد ضل وأضل. ومن هذا النوع ما أجمع عليه جميع المسلمين حتى سلف ابن حزم وهو داود بن علي الظاهري كان لا ينكر القياس المعروف والذي يسميه الإمام الشافعي القياس في معنى الأصل، ويقول له القياس الجليل.
وهو المعروف عند الفقهاء بمفهوم الموافقة والإلغاء الفارق، ويسمى نفي الفارق وهو نوع من توضيح ..، فقد أجمع جميع المسلمين على أن المسكوت عنه يلحق بالمنطوق، وأن قول ابن حزم إنه مسكوت عنه لم يتعرض له لأنه كذب محض وافتراء على الشرع، وأن الشرع لم يسكت عنه.
فقوله تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ يقول ابن حزم إن هذه الآية ناطقة بالنهي عن التأفيف ولكنها ساكتة عن حكم الضرب. ونحن نقول: لا، والله، لما نهى عن التأفيف الذي هو أخف الأذى فقد دلت هذه الآية من باب أولى على أن ضرب الوالدين أشد حرمة، وأشد جرما، وأن الآية غير ساكتة عنها بل نبهت على الأكبر بما هو أصغر منه، فلما نهت التأفيف وهو أقل أذية من الضرب لم تسكت عن الضرب.
ونقول: إن قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ أن هذه الآية ليست ساكتة عمن عمل مثقال جبل أحد فلا نقول: نص على الذرة، وما فوق الذرة أو أثقل منها لا يؤخذ من الآية فهي ساكتة عنه، بل نقول: إن الآية غير ساكتة عنه، وإن ذلك المسكوت يلحق بهذا المنطوق.
وكذلك قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ من جاء بأربعة عدول فلا نقول: أربعة عدول مسكوت عنها، بل نقول: إن الآية التي نصت على قبول شهادة العدلين دالة على قبول شهادة أربعة عدول، ونقول: إن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا لا نقول كما يقول ابن حزم إنها ساكتة عن إحراق مال اليتيم وإغراقه؛ لأنها نصت على حرمة أكله فقط، بل نقول: إن الآية التي نهت عن أكله دلت على حرمة إغراقه وإحراقه بالنار؛ لأن الجميع إتلاف.
ومما يدل على أن ما يقوله ابن حزم لا يقول به عاقل أن ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من النهي عن البول في الماء الراكد. يقول ابن حزم لو بال في قارورة وصبها في الماء لم يكن هذا من المكروه؛ لأن النبي لم ينه عن هذا، وإنما قال: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد -الماء الدائم- ثم يغتسل فيه ولم يقل: لا يبولن أحدكم في الإناء، ثم يصبه في الماء الراكد، وهذا لا يعقل.
أيعقل أحد أن الشرع الكريم ينهى عن أن يبول إنسان بقطرات قليلة أقل من ربع الوزن فيه ؟ ثم إنه يجوز له أن يملأ ..
يدهش عقله، أو في جوع شديد مفرط يدهش عقله، ونحو ذلك من مشوشات الفكر التي هي أعظم من الغضب فليس في المسلمين من يعقل. ويقال للقاضي: احكم بين الناس وأنت في غاية تشويش الفكر بالجوع والعطش المفرطين، أو الحزن والسرور المفرطين، أو الحقن والحقد المفرطين. والحقن مدافعة البول، والحقد مدافعة الغائط؛ لأن الإنسان إذا كان يدافع البول أو الغائط مدافعة شديدة كان مشوش الفكر مشغول الخاطر، لا يمكن أن يتعقل حجج الخصوم، فمثل هذا ليس في العلماء.
إذا قال العلماء: إن القاضي لا يجوز له أن يحكم وهو مشوش الفكر فنعلم أن قول ابن حزم أنهم إنما جاءوا بتشريع جديد فإنه كذب، وأن حديث: لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان يدل على أن من كان فكره متشوشا تشويشا أشد من الغضب أولى بالمنع من هذا الحكم.
وكذلك نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن التضحية بالشاة العوراء، لا نقول: إن العلماء لما نهوا عن التضحية بالشاة العمياء، أن العمياء مسكوت عنها وما سكت الله عنه فهو عفو فله أن يضحي بالعمياء، هذا مما لا يقوله عاقل.
وكذلك قال الله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ولم يصرح في الآية إلا بأن يكون القاذف ذكرا والمقذوفة أنثى فلو قذفت أنثى ذكرا، أو قذف ذكر ذكرا، أو قذفت أنثى أنثى كيف نقول: إن هذا عفو، وأن هذا القذف لا مؤاخذة فيه؛ لأن الله إنما نص على قذف الذكور للإناث حيث قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ؟
وما أراد ابن حزم هنا أن يدخل الجميع في عموم المحصنات فقال: المحصنات نعت للفروج، والذين يرمون الفروج المحصنات فيشمل الذكور والإناث، يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج، وإنما جاءت للنساء، وكيف يجري ذلك في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ؟ وهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات؟ هذا مما لا يعقل.
وكذلك نص الله -جل وعلا- على أن المبتوتة إذا نكحت زوجا غير زوجها الأول، نص الله على أنها إن طلقها الزوج الأول ثلاث طلقات فصارت مبتوتة حراما عليه إلا بعد زوج، ثم تزوجها زوج، فدخل بها، ثم طلقها هذا الزوج الأخير فإنه يجوز للأول أن ينكحها؛ لأنها حلت بنكاح الثاني.
والله إنما صرح في هذه السورة بنص واحد، وهو أن يكون الزوج الذي حللها إنما طلقها؛ لأنه قال في تطليق الأول: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثم قال في تطليق الزوج الذي حللها: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أي على الزوجة التي كانت حراما، والزوج الذي كانت حراما عليه أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فنص على طلاق المحلل خاصة فَإِنْ طَلَّقَهَا .
أرأيتم لو حللها وجامعها مائة مرة حتى حلت وكانت كماء المزن، ثم مات قبل أن يطلقها، أو فسخ حاكم عقدهما بموجب آخر بالإعسار في نفقة، أو غير ذلك من أسباب الفسخ أيقول مسلم: إن هذه لا تحل للأول؛ لأن الله ما نص إلا على قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا ولو مات لم تحل لأن الموت ليست بطلاق؟ هذا مما لا يقوله عاقل.
وأمثال هذا كثيرة جدا:
فنحن نقول: إن هذا الذي يقول ابن حزم إن الوحي سكت عنه، فالوحي لم يسكت عنه، وإنما أشار إليه لتنبيهه لبعضه على بعضه، فالغضب يدل على كل تشويش فكر، والمحصنات لا فرق بين المحصنات والمحصنين.
وقوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا لا فرق بين ما لو طلقها، أو مات عنها فبعد أن جامعها وفارقها تحل للأول سواء كان الفراق بالطلاق المنصوص في القرآن، أو بسبب آخر كالموت والفسخ، وهذا مما لا ينازع فيه عاقل وإن نازع فيه ابن حزم
ثم إن ابن حزم يسخر من الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- لأن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله-يقول: إن التشهد الأخير يخرج الإنسان فيه من الصلاة بكل مناف للصلاة وروي عنه حتى أنه لو انتقض وضوءه فضرط أنه خرج من الصلاة؛ لأن الضراط مناف لها.
وكان ابن حزم يسخر عليه من هذا فيقول: ألا ترون قياس الضراط على السلام عليكم الوارد في النصوص إن لم يكن قياس الضراط على السلام عليكم قياسا فاسدا فليس في الدنيا قياس فاسد.
ويسخر من الإمام مالك في مسائل كثيرة ويقول: إنه يقيس قياسات الألغاز لأن مالكا -رحمه الله- جعل أقل الصداق ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة.
قال: قياسا على السرقة، بزعم أن كلا منهما فيه استباحة عضو في الجملة لأن النكاح فيه استباحة الفرج بالوطء، والقطع فيه استباحة اليد بالقطع ابن حزم يسخر من مالك ويقول: هذه ألغاز ومحاجاة بعيدة من الشرع، وتشريعات باطلة، وأمثال هذا منه كثيرة.
ونحن نضرب مثلا فإنه من أشد ما حمل فيه على الأئمة -رحمهم الله-مسألة حديث تحريم ربا الفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة أنه قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى .
ابن حزم يقول: ليس في الدنيا ما يحرم فيه ربا الفضل إلا هذا. ويقول: الدليل على أنهم مشرعون، وأن أقوالهم كلها كاذبة لأن بعضهم كالشافعي يقول: علة الربا في البر الطعم فيقيس كل مطعوم على البر فيقول: إن المطعومات كالفواكه كالتفاح وغيره من الفواكه يحرم فيه الربا قياسا على البر بجميع الطعم.
وأبو حنيفة وأحمد يقولان: العلة الكيل، فيقولان: كل مكيل يحرم فيه الربا قياسا على البر، فيحرمان الربا في النورة والأشنان، وكل مكيل.
فيقول ابن حزم هذا يقول العلة الطعم ويلحق أشياء، وهذا يقول: العلة الكيل ويلحق أشياء أخرى، وكل منهما يكذب الآخر، فهذه القياسات المتناقضة، والأقوال المتخالفة، والأحكام التي ينفي بعضها بعضا لا يشك عاقل في أنها ليست من عند الله، وأمثال هذا كثيرة.
ونحن نضرب مثلا بهذه المسألة فنقول: إن الأئمة -رضي الله عنهم- أبا حنيفة و أحمد و الشافعي -رحمهم الله- الذين سخر ابن حزم من قياساتهم، هم أولى بظواهر النصوص من .. ابن حزم .
ونقول لابن حزم مثلا: أنت قلت: إنك مع الظاهر، وقلت: ألم تعلموا أني ظاهري، وأنني على ما بدا حتى يقوم دليل؟
ذهب الإمام الشافعي الذي قال: إن علة الربا في البر الطعم، استدل بحديث ثابت في صحيح مسلم وهو حديث معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- الثابت في صحيح مسلم قال: كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل الحديث.
فالشافعي فيما سخر منه ابن حزم أقرب لظاهر نصوص الوحي من ابن حزم وكذلك الإمام أبو حنيفة و أحمد بن حنبل -رحمهما الله تعالى- اللذان قالا: إن علة الربا في البر الكيل، استدلا بالحديث الثابت في الصحيح، وكذلك الميزان لأن النبي لما ذكر المكيلات وبين أن الربا حرام فيها قال: وكذلك الميزان والتحقيق أنه وكذلك الموزونات من المكيلات، فجعل معرفة القدر علة للربا وقوله: وكذلك الميزان ثابت في الصحيحين، وفي حديث حيان بن عبيد الله الذي أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- عن أبي سعيد الخدري لما ذكر الستة التي يحرم فيها الربا قال: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك كل ما يكال ويوزن .
وهذا الحديث حاول ابن حزم تضعيفه من ثلاث جهات، وقد ناقشناه في الكتاب الذي كتبنا على القرآن مناقشة وافية.
والتحقيق أن حيان بن عبيد الله ليس بمجروح، وأن زعمه أن أبا مجلز الذي روى عنه الحديث لم يلق ابن عباس أنه كذب، وأنه أدرك ابن عباس وأبا سعيد الخدري -رحمهما الله، وأن الحديث لا يقل عن درجة القبول بوجه من الوجوه عند المناقشة الصحيحة كما بيناه في الكتاب الذي كتبنا في القرآن.
وهذا الحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك كل ما يكال ويوزن .
وهذا أقرب لظاهر نص النبي-صلى الله عليه وسلم-من ابن حزم الذي يسخر من أبي حنيفة والإمام أحمد رحمهما الله.
وليس قصدنا في هذا الكلام أن نتكلم على ابن حزم ؛ لأنه رجل من علماء المسلمين، وفحل من فحول العلماء إلا أن له زلات، ولا يخلو أحد من خطأ، ومقصودنا أن نبين لمن .. ابن حزم فقط أن حملاته على الأئمة، أن الغلط في هذا معهم، وأنهم أقرب للصواب، وأولى به منه، وأعلم منه، وأكثر علما وورعا منه فهم لا يحملون على أحد، ولا يعيبون أحدا.