الرد على ابن حزم
العداء بين الشيطان والإنسان
كل هذا لا يلزم؛ لأن ظاهر القرآن أمرهم بالسجود له، وهذا السجود تعظيم لله -جل وعلا- لأنه امتثال أمره لا عبادة لآدم اسم> ولا سجود إلا لأمر الله -جل وعلا- والأمر إن كان ممتثلا به أمر الله فالمطاع فيه الله.
و.. أن ملك الموت يقال له: اقبض روح محمد اسم> - صلى الله عليه وسلم- وسائر الأنبياء فأي جريمة في الدنيا أعظم من قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- ونزع روحه، وقتل الأنبياء والأولياء، لكن ملك الموت مأمور من الله فهو مطيع في ذلك الفعل؛ لأنه إنما فعله بأمر الله.
رسم> اسْجُدُوا لِآدَمَ قرآن> رسم> قال بعض العلماء: إن الملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم- لما عظموا أنفسهم، وحقروا بني آدم اسم> لما قال لهم الله: رسم> إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ قرآن> رسم> ثم أثنوا على أنفسهم، وقالوا: رسم> وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قرآن> رسم> امتحنهم الله رسم> وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا قرآن> رسم> ثم قال لهم: رسم> أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ قرآن> رسم> فعجزوا، وقالوا: رسم> لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا قرآن> رسم> .
ثم قال لـ آدم اسم> تعال أنت فبين هذا العلم الذي عجزوا عنه وجهلوه فقام آدم اسم> وبينها تماما؛ ولذا قال: رسم> قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ قرآن> رسم> وأن هذا الذي حقرتم يعلم ما لا تعلمون، وعنده من الخصال ما ليس لديكم.
وكلام العلماء في تفضيل الملائكة والآدميين لا يعنينا؛ لأن .. الناس مختلفون فيه، وكل يحتج لظواهر من كتاب الله، ولا دليل جازما يجب الجزم واليقين به، ولا حاجة تدعو إليه، واختلاف العلماء فيه معروف.
وعلى كل حال فالله أظهر فضل آدم اسم> هنا؛ حيث علمه ما جهله كل الملائكة، وأمرهم بالسجود، قال بعض العلماء: أمرهم بالسجود لما علم ما لم يعلموا، ويرشد له قوله: رسم> إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا قرآن> رسم> وبعد ذلك قال: رسم> يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قرآن> رسم> الآية.
وعلى هذا القول فالملائكة لما أمروا أن يسجدوا لآدم اسم> أُمر جميع الملائكة كما دل عليه قوله: رسم> فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ قرآن> رسم> واستثنى في جميع السور التي ذكر فيها سجود الملائكة بجميعها كالبقرة والأعراف، وطه، والحجر، وص كلها بين فيها سجود الملائكة إلا إبليس.
رسم> اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قرآن> رسم> أي فسجدوا كلهم أجمعون بدليل قوله: رسم> فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> إبليس هو الشيطان اللعين عليه لعائن الله.
ومنعه من الصرف؛ لأنه اسم أعجمي علم، والعجمة والعلمية يمنعان الصرف. وقال بعض العلماء: أصل إبليس عربي؛ لأنه إفعيل من الإبلاس، والإبلاس القنوط واليأس من رحمة الله حتى يبقى اليائس من شدة يأسه ساكتا لا يحير كلاما. منه قوله: رسم> فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ قرآن> رسم> ولكنه استدل على قولهم أنه لو كان أعجميا لأن العلم إذا وضع على إفعيل كان منصرفا؛ لأنه ليس فيه علتان مانعتان من الصرف.
وأجاب من قال هذا بأن إبليس أصله من الإبلاس، وهو القنوط واليأس من رحمة الله، ومنع من الصرف للعلمية وشبه العجمية؛ ولأن هذا اللفظ يشبه الألفاظ العجمية، هكذا يقولون. والأول أظهر.
وقوله: رسم> لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> لم يسجد مع الملائكة.
ثم إن الله -جل وعلا- سأله سؤال توبيخ، وتقريع قال: رسم> مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قرآن> رسم> .
قيل هنا وجهان: أحدهما أن رسم> مَا مَنَعَكَ قرآن> رسم> مضمنة معنى فعل، ولا في بابها ليست زائدة أي ما ألجأك وأحوجك إلى ألا تسجد؟ ما المانع الذي ألجأك وأحوجك إلى ألا تسجد؟. وتضمين الفعل معنى فعل معروف، قال به عامة علماء النحو من البصريين.
وأظهر القولين في هذا أن لا هنا جيء بها لتأكيد النفي لأن رسم> مَنَعَكَ قرآن> رسم> في معنى الجحود والنفي، وإتيان لا زائدة في الكلام الذي فيه معنى الجحد مطرد.
ذكر الفراء اسم> وغيره من علماء العربية أنه مطرد، والدليل على هذا أن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وقد قال -تعالى- في هذه القصة بعينها في سورة ص: رسم> يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قرآن> رسم> ولم يأت بلفظة لا، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، فعلمنا أن لفظة لا لتوكيد النفي.
واعلموا أن علماء العربية مطبقون على أن لفظة لا تزاد لتأكيد المعنى وتقويته. أما في الكلام الذي فيه معنى الجحد فلا خلاف بينهم في ذلك. وشواهده في القرآن وأمثلته كثيرة فمن أمثلته في القرآن: رسم> لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ قرآن> رسم> والمعنى: ليعلم أهل الكتاب فقد جيء بـلا لتوكيد المقام.
رسم> فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> فوربك لا يؤمنون. رسم> قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي قرآن> رسم> أي أن تتبعن، رسم> وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قرآن> رسم> أي والسيئة على أشهر التفسيرين. وقوله جل وعلا: رسم> وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ قرآن> رسم> على أحد القولين.
رسم> وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> على أحد التفسيرين، رسم> قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا قرآن> رسم> على أحد التفسيرات التي قدمها في الآية.
وهذا كثير في كلام العرب، ومنه في كلام العرب قول أبي النجم اسم> في رجزه:
وأنشد الفراء اسم> لزيادة لا في الكلام الذي فيه معنى الجحد قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله دينهمو | والأقربان أبو بكر اسم> ولا عمر اسم> |
وأنشد الجوهري اسم> لزيادة لا في الكلام الذي ليس فيه معنى جحد قول رؤبة بن العجاج اسم> أو قول العجاج اسم>
وأنشد الأصمعي اسم> لزيادتها في الكلام الذي ليس فيه معنى الجحد-قول ..:
............................... | ............. برقـا كـأن وميضـه |
غـاب ............................ | ................................. |
ومن شواهد ذلك قول الشاعر:
تذكرت ليلـى فاعترتـني صبابـة | وكـاد ضمــير القلـب لا يتقطـع |
وكذلك في قوله: رسم> لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قرآن> رسم> لأن المعنى: أقسم بهذا البلد، كما قال: رسم> وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قرآن> رسم> على أحد الأوجه المعروفة.
ومثل هذا كثير في كلام العرب.
.. فقوله على وجهين: أحدهما أن تكون صلة لتوكيد الكلام.
ومن أساليب اللغة العربية زيادة لفظ لا لتوكيد الكلام كما بينا الآيات الدالة عليه: رسم> لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ قرآن> رسم> أي ليعلم أهل الكتاب، رسم> مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي قرآن> رسم> ما منعك أن تتبعني، رسم> وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قرآن> رسم> لا تستوي الحسنة والسيئة، إلى غير ما ذكرنا من الآيات، وأبيات العربية ذكرنا.
ويدل أنها هنا صلة لتوكيد الكلام أن الله حذف .. حيث قال: رسم> مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قرآن> رسم> .
واختار بعض العلماء، وهو اختيار ابن كثير اسم> و ابن جرير اسم> أن الفعل مضمن كما يذهب إليه علماء البصرة اسم> وأن لا على بابها. والكلام في معنى ما أحوجك وألجأك إلى ألا تسجد؟
وهذا معنى قوله: رسم> مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قرآن> رسم> أي حين أمرتك، وهذه الآية الكريمة من أدلة العلماء على أن صيغة افعل تأتي للوجوب لأنه قال: رسم> اسْجُدُوا لِآدَمَ قرآن> رسم> فلما لم يمتثل إبليس وبخه على ذلك، وقال: رسم> مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قرآن> رسم> فدل على أن صيغة الأمر لا يجوز خلافها.
ولما قال نبي الله موسى اسم> لأخيه: رسم> اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ قرآن> رسم> بعد ذلك لما ظن أنه خالفه قال: رسم> أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قرآن> رسم> فسمى مخالفة صيغة افعل معصية فدل على أنه يرى .. وجوب كما ذكرنا أدلتهم مرارا، وهذا معنى قوله: رسم> فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> .
مسألة>