إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
كلمة في سلاح الحدود وسائل الثبات على الدين وكلمة عن صلاة الجماعة
2840 مشاهدة
التذكير بنعم الله تعالى ووجوب شكرها

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نتذاكر نعم الله تعالى؛ فنعمه كثيرة خاصة وعامة، وقد أمر بشكرها، ونهى عن كفرها، ووعد الشاكرين بأن يزيدهم، والكافرين بأن يعذبهم، فقال للشاكرين: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وكفى بذلك وعيدا لمن بدل نعمة الله كفرا.
فمن نعمة الله تعالى: أنه أحسن خلق الإنسان، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فهذا فضل الله أنه أحسن خلق الإنسان، وكمل خلقه، قال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ خلق الإنسان كله على صفة واحدة، ليس هناك فرق بين العربي والعجمي، والأبيض والأحمر والأسود، كلهم جعل الله خلق الإنسان على هذه الصفة التي هو عليها؛ فأعطاه أولا: السمع، وإن كان هذا السمع مشتركا بين الإنسان وبين الدواب، ولكنه نعمة عظيمة؛ بحيث إنه يسمع ما حوله من الأصوات والحركات، وتتأمل حالة من فقد السمع، ماذا تقول إذا كان جالسا معكم فكأنه ليس معكم؟
ومن نعم الله تعالى: نعمة البصر، وهي أيضا مشتركة بين الإنسان وبين البهائم والطيور ونحوها، وقد يكون كثير منها أشد قوة بصر من الإنسان، ولكن لا شك أنها نعمة عظيمة، لو فكر الإنسان في هذه العين ومحتوياتها، وكيف يدرك بها الأشياء، يبصر بها الأشباح والصور التي أمامه؛ لعرف قدرة الله تعالى على كل شيء.
ومن نعم الله تعالى أيضا: نعمة الشم، أي الإحساس بالروائح التي حوله -رائحة طيبة أو رائحة خبيثة- وهي أيضا مشتركة بين الإنسان وبين الدواب والطيور ونحوها، بحيث إنها تشم الرائحة من بعيد، ولا شك أيضا أنها نعمة عظيمة، إذا فقدها الإنسان فقد ما حوله من هذه الروائح؛ ولذلك يميل إلى الروائح الطيبة التي هي مما تنعش بدنه وتقوي إحساسه ونحو ذلك، فهي أيضا من نعم الله الخاصة أو العامة لكل مخلوق.
وتميز الإنسان بنعمتين: نعمة العقل، ونعمة اللسان –النطق- ميزه الله بها، لا شك أن هذه النعمة هي ميزته وفضيلته التي فضل بها، وبها أصبح مكلفا، وبها أصبح مأمورا ومنهيا؛ ولأجل ذلك إذا سلبه الله هذا العقل أصبح كأنه البهائم، أو أقل حالة منها، إذا أخذ ما وهب أسقط ما وجب.
فهذا العقل -الذي هو تفكيرك ومعرفتك للنافع والضار، ومعرفتك للأشياء وتفكيرك فيها- هو الذي يهتدي به الإنسان إلى أن يفعل ما ينفعه، ويترك ما يضره، ويكتسب في هذه الحياة ويفكر فيها، ويبتدع ويخترع، ويصنع المصنوعات التي تناسبه، وبها ينسج لباسه، ويخرز حذائه، ويبني مسكنه، ويحصِّل طعامه وشرابه، ويكتسب قوته، وبها يحرث في الأرض، ويغرس فيها، ويستنتج ويعمل الحرف والصناعات وما أشبهها، لا شك أنه إذا فقد هذا العقل لم يعرف شيئا مما حوله، ولم يحسن شيئا من ذلك.
ولما كان كذلك كان بهذا العقل إنسانا إذا استعمله فيما ينفعه، فمن الناس من استعمل العقل في أموره الدنية الدنيوية، وأكب على مصالح دنية دانية ولم يفكر فيما وراء ذلك، فكان ممن جعل عقله وتفكيره في الشيء الذي ينفعه في دنياه، وينسى -أو نسي- ما بعد الموت، وأقبل على أعماله الدنية، هؤلاء هم عبيد الدنيا، عمروا الدنيا، وابتدعوا واخترعوا وصنعوا، وحصلوا على مصالحهم الدنيوية، صدق عليهم قول الله تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ همهم دنياهم، حياتهم الدنية، ولم يعملوا عقولهم فيما بين أيديهم وما خلفهم؛ فكانوا عبيدا للدنيا، سخرهم الله تعالى فابتدعوا واخترعوا، وصنعوا وعملوا؛ فكانوا خداما لهذا النوع من البشر.
وآخرون أعملوا عقولهم فيما بين أيديهم وما خلفهم؛ فدلهم هذا الإعمال على أنهم لا بد عليهم واجبات غير الواجبات الدنيوية، حيث نظروا في هذه المخلوقات العلوية والسفلية، ونظروا في هذه الحيوانات -صغيرها وكبيرها- وعلموا أن لها ربا وخالقا ومدبرا، يتصرف في هذا الكون، وأنه ما خلقها عبثا، وأنه لا بد أنه يتصرف في هذا الخلق كما يشاء، فلا جرم أعملوا أفكارهم، قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ .
فلذلك تفكروا، وعلموا أن لهذا الكون ربا وخالقا، وأنه ما خلقهم عبثا، ولن يتركهم هملا، ثم علموا بعد ذلك أن عليهم حقا لهذا الرب العظيم الذي أوجدهم، وكمل خلقهم، وأعطاهم ما يتمنون، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، سخر لهم هذه المخلوقات؛ حتى ينتفعوا بها في حياتهم، وحتى يعتبروا بها ويستدلوا بها أنهم مخلوقون، وأنها مخلوقة، وأن الذي خلقهم لا يهملهم ولا يضيعهم؛ بل لا بد أنه قد أمرهم ونهاهم.
فهكذا أهل العقول الذكية الذين تفكروا ودلهم تفكيرهم على أن لهم ربا، وأن ربهم لا بد أن له عليهم حقوقا، ومع ذلك فإن عقولهم قد لا تدلهم على ما خلقوا له، ولا ما أمروا به بالتفاصيل، ولا يتبين لهم أن العبادات كذا وكذا، قد جاءتهم الرسل، كمل الله تعالى معرفتهم فأرسل رسله، وأنزل كتبه، وامتن على عباده بذلك؛ حتى يعرفوا ما أمروا به، وما كلفوا به.