إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
لقاء مفتوح بمخيم الردف
3635 مشاهدة
الحث على الدعوة إلى الله عز وجل

لا شك أن هذا المخيم، والذي أقيم لأجل دعوة الناس، ولأجل توجيههم؛ أنه إن شاء الله سيثمر ثمرا مفيدا وصالحا؛ وذلك لأن هذا المنتزه وهذا المكان يقصده الخلق الكثير من طبقات الناس كما تشاهدون؛ بل المدينة كلها؛ هذه المدينة يتوافد إليها خلق كثير من طبقات الأمم؛ كبير وصغير، وغني وفقير، وذكر وأنثى، وقريب وبعيد؛ من داخل المملكة وخارجها.
وهؤلاء الذين يتوافدون إلى هذه البلدة، ثم يأتون –أيضا- إلى هذه المنتزهات؛ لا شك أنهم مختلفون في طبقاتهم؛ فمنهم عالم وجاهل، ومنهم مطيع وعاص، ومنهم تقي ومنهم شقي، ومنهم مسلم ومنهم كافر. لا شك أنهم مختلفون في أحوالهم، ولكن إذا وجدوا من يوجههم؛ إذا وجدوا من يرشدهم ويدلهم على الخير؛ فقد يتوجهون وقد يقبلون. الكثير منهم جهلة، ولكن بحاجة إلى من ينبههم؛ إلى من يدلههم على طريق العلم، فإذا دلهم عليه تراجعوا ورجعوا إلى الحق، وتابوا وأنابوا إلى الله سبحانه، وتعلموا ما ينفعهم؛ تعلموا من العلم ما يكون وسيلة لتثقيفهم ولإرشادهم، ولتعليمهم ما يفيدهم. لا شك أنهم والحال هذه بحاجة إلى من يوجههم.
فنقول: عليكم أيها الإخوة المتوافدون في هذا ألا تتركوا هذه الفرصة تذهب عليكم. فأنتم تشاهدون كثرة الذين في هذه المنتزهات، وهذه المنتجعات؛ كثرتهم ما بين شباب متفرغ ليس عنده إلا مجرد الهواية للعب واللهو والبطالة، وآخرون
–أيضا- من الكهول والشيوخ ونحوهم؛ عندهم أوقات فراغ، وليس عندهم إلا أنهم يتجولون في هذه المنتزهات، ويذهبون من هنا ومن هنا، ولا يهتمون بأمر دينهم، ولكن متى وجدوا من يوجههم ويرشدهم، فإنهم سينتفعون بذلك إن شاء الله تعالى.
فالواجب أن نتجول على هذه الأماكن، وأطراف هذا المنتزه؛ نجد هؤلاء جلوسا ليس لهم حاجة إلا أنهم يتناجون بينهم، أو يتكلمون؛ لا ندري بماذا يتكلمون، نعرف أن عندهم وقت فراغ، فننصحهم ونرشدهم، ونوجههم إلى الخير، وندلهم على هذا المكان الذي تلقى فيه نصائح ومواعظ وإرشادات؛ فلعلهم أن ينتبهوا لذلك.
ونجد آخرين ليس لهم حاجة إلا المسير بين هذه الأشجار، وبين هذه المنتزهات وما أشبهها؛ ليس لهم حاجة إلا أنهم يتسكعون بين تلك الأماكن، فنقول لهم: أيها الشباب، وأيها المسلمون: لا تضيع عليكم أوقاتكم؛ فإنكم محاسبون عليها، ومسئولون عن إضاعتها، فاحرصوا كل الحرص على أن تستغلوا أوقاتكم في الشيء الذي يفيدكم.
نذكرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه تسأل أيها المسلم؛ تسأل عن عمرك في أي شيء شغلته؟ وفي أي شيء أمضيته؟ وتسأل عن شبابك الذي هو ريعان عمرك، والذي هو مستقبل عمرك، تسأل في أي شيء أفنيته واستغللته؟
فتندم إذا أضعت ساعة أو يوما أو أسبوعا أو شهرا أو سنة؛ تندم وتقول: ليتني استغللت تلك الساعة في شيء يفيدني، فقد مضت علي وأنا لم أعمل فيها عملا يقربني إلى الله سبحانه وتعالى، وينفعني في ديني، وينفعني في دنياي، وينفعني في حياتي.
الإنسان يدعو ربه أن يصلح له عمله. كان من الدعاء المشهور أن يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر إذا تأمل الإنسان أنه بدأ بإصلاح الدين، وذكر أنه عصمة الأمر يحرص المسلم على أن يكون دينه صالحا، ليس فيه ما يخرمه، وليس فيه ما يفسده، وليس فيه ما يعتب به عليه، إذا كان صلح دينه، وصلحت أحواله استقام أمره، وصلحت له دنياه وآخرته.
لا شك أن الإنسان بحاجة إلى أمور دنياه التي هو بحاجة إلى أن يحيا فيها حياة سعيدة، ولكن الله تعالى قد ضمن له ذلك، قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ فالذي يكون همه هذه الدنيا وزينتها، وشهواتها يخشى عليه أن تفوته الآخرة، والأعمال الصالحة التي يسعد بها في الآخرة.
ورد في بعض المواعظ، وفي بعض الآثار: ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما. يعني: أنك إذا قدمت حظوظ الدنيا، وجعلتها أكبر همك، ومبلغ علمك، واشتغلت بها اشتغالا كليا، وأقبلت عليها إقبالا تاما؛ فإنه ولا بد ستنشغل بها عن الدار الآخرة، وتفوتك الحسنات، وتفوتك الصالحات، ولا يحصل لك ما تريده في الدار الآخرة، فيفوتك نصيبك من الآخرة.
وأما إذا بدأت بنصيبك من الآخرة؛ عملت بالأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى، وقدمت الحسنات، وعملت ما تقدر عليه للدار الآخرة؛ فهنيئا لك أن ربك سبحانه سييسر لك اليسرى، ويعطيك ما تطلبه، ويرزقك من حيث لا تحتسب. ثق بذلك. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ولَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لما أنهم هاجروا من بعد ما ظلموا في مكة وفي غيرها وعدهم الله تعالى بالحسنة في الدنيا، وصدق الله وعده: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ولَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ .
وكذلك في نفس السورة يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً الحياة الطيبة: هي حياة السعادة؛ حياة أهل الخير: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً سواء طيبها من حيث الأعمال الصالحة، أو طيبها من حيث التوسعة؛ بأن يوسع الله تعالى عليه، ويرزقه، وييسر له أسباب الرزق، ويأتيه ما كتب الله تعالى له.
ويقول بعض السلف: من كانت الدنيا أكبر همه فرق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة؛ يعني: يسر الله تعالى له، ورزقه، ووفقه للعمل الصالح، ووفقه لأنْ يرزقه ما يسد حاجته، ويغنيه إذا اتقى الله تعالى، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ .
أعود، فأقول: أتيت بهذا؛ لأن يستعمل هذه الأساليب أحدكم إذا أراد أن يدعو إلى الله تعالى لطبقات الناس، لأنكم ترون أن هاهنا طبقات مختلفة، تجدون –مثلا- العصاة الذين يعاندون؛ فيتركون الصلاة كما هو مشاهد. يصلي الناس عن يمينهم وعن شمائلهم، ومع ذلك لا يهتمون بالصلاة، فلا نتركهم بل نعظهم ونذكرهم، ونخبرهم بأن الأعمال الصالحة سبب في أن الله تعالى يفتح عليهم، ويرزقهم ويوفقهم.
كذلك أيضا هناك الجهلة الذين يعصون الله تعالى على جهل؛ يحتاجون إلى من يرشدهم ومن يعلمهم، ويبين لهم أن ما فعلوه فإنه وبال عليهم، وأن الواجب عليهم أن يعرفوا ما هم بحاجة إليه؛ فإن حاجتهم إلى الأعمال الصالحة أقوى من حاجتهم إلى ملذاتهم وما أشبهها.
كثير أيضا الذين يأتون من أماكنهم ويدَّعون أنهم يريدون أن يرفهوا عن أنفسهم، وأن هذه المنتزهات فيها تسرية وفيها ترفيه عن النفس، وفيها نزهة ونحو ذلك؛ هكذا يدعون، فتجدهم يسيرون بين تلك الأشجار، ويسيرون بين تلك الملاعب، ويترددون هاهنا وهاهنا، ولا تهمهم أمور دينهم؛ فمثل هؤلاء –أيضا- يحتاجون إلى أن ننصحهم، وإلى أن نبين لهم أنهم بحاجة إلى أوقاتهم، وأنهم بحاجة إلى أن يتعلموا، وأن لا يبقوا على هذا الجهل، ولا على هذا الإعراض، ونحذرهم من الإعراض الشديد الذي يكونون به مبتعدين عن عبادة الله سبحانه وتعالى، ومنشغلين؛ إما بما لا يفيدهم وإما بما يضرهم.
وهكذا أيضا نرى كثيرا من في هؤلاء المنتزهات عليهم آثار المعاصي؛ أقل شيء أن بعضهم يتعاطون شرب الدخان، وكأنه عندهم عادة، أو كأنه قربة وطاعة -والعياذ الله- مع اعتراف الكثيرين بأنه ضرر، وبأنه آفة ابتلوا بها، ويدعون ذلك؛ فمثل هؤلاء أيضا إذا تجول أحدنا ووصل إليهم نصحهم، وحذرهم مما هم واقعون فيه، وحذرهم من انتهاك هذه المحرمات، وفعل هذه المعاصي، ومن جملتها ما يضر ولا ينفع، كهذا الدخان.
وكذلك تعاطي المخدرات والمسكرات وما أشبهها. لا شك أن هذا واقع وأنه كثير، وأننا بحاجة إلى أن ننتشل هؤلاء الشباب؛ حتى لا يفسدوا، وحتى لا يقعوا فيما لا تحمد عاقبته.
فنقول: احتسب أيها المسلم الذي وفقك الله تعالى، وانتظمت في هذا المخيم، أو في هذه الدعوة وما أشبهها، وألق نصيحة ولو كلمة واحدة، أو كلمتين تنصح بها أخا لك يحب الخير، ولكنه لا يدله. يدعي أنه على خير؛ مع أنه قد يكون بعيدا عن الخير، وبعيدا عن الاستقامة؛ ولكن إذا أرشد ونصح نصيحة دينية تأثر بذلك إن شاء الله تعالى.
نعرف أن كثيرين في هذا المنتزه، وكذلك في هذا البلد يضيعون أوقاتهم في شيء لا يفيدهم، وربما يكون ضارا ضررا بينا؛ فمثلا الذين نراهم جلوسا على الأرصفة، أو في ظل هذه الأشجار؛ يتكلمون بما لا يفيدهم. ربما يكون كلامهم ضارا؛ سخرية، أو استهزاء، أو تهكما ببعض من يمر بهم، أو نحو ذلك. لا شك أن هؤلاء أضاعوا أوقاتهم ولم يسلموا؛ بل اكتسبوا في أوقاتهم سيئات كبيرة يأثمون بها، فهم أحق بأن ننصحهم ونحذرهم.
نعرف أيضا أن هناك آخرين يجدون في هذا المنتزه وكذلك في غيره يجدون ما قد يفسد أخلاقهم، ويفسد أعمالهم، وهو أنهم يقفون أمام الشاشات التي تستقبل الصور الفاتنة؛ تستقبل ما تبثه القنوات الفضائية، وما أشبهها؛ مما يكون فتنة لكل مفتون، فتجد أنهم مقابلين لهذه الصور، وهذه الأفلام الخليعة يضيعون وقت ثمينا، ويكتسبون سيئات؛ هذه بلا شك تزرع في قلوبهم الشرور، وتدفعهم إلى المنكر، وتؤزهم إليه أزا، وتوقعهم في الفواحش ولا بد. غالبا ما يندفعون إلى اقتراف المحرمات، وفعل الفواحش والمنكرات من آثار هذه الصور الفاتنة وما أشبهها.
لا شك أن هؤلاء أولى بأن نأتي إليهم، وأن ننصحهم، وأن نحذرهم، وأن نأخذ بأيديهم إلى ما ينجيهم، وندلهم على مثل هذه المخيمات التي يلقى فيها خي؛ محاضرات، ودروس، وتوعية، ودعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن أكثرهم غافلون عن ذلك، أو كثير منهم يحتقرون هذا المخيم، ويحتقرون القائمين عليه، ويرمونهم بأنهم -كما يقولون- أنهم رجعيون، وأنهم متزمتون وما أشبه ذلك.
يقولـون رجـعيون لمـا تمسكوا
بنص من الوحيين كان له الأثر

فمثل هؤلاء لا يتركون أيضا.
كذلك –أيضا- تجدون الكثير من الشباب الذين أمام تلك الملاعب والملاهي يقضون وقتا طويلا في هذه الملاهي، فأن نقول لهم: ابقوا في الملاهي ليلكم ونهاركم. تبقون في هذه الملاعب، وهذه الملاهي طوال وقتكم. لا نتركهم كذلك؛ بل نقول لهم: إنكم وإن كنتم تريدون الترفيه، وتريدون النزهة، فإن عليكم أن تنزهوا قلوبكم؛ أن تنزهوها، وأن ترفهوا عنها، وذلك بأن تسمعوها شيئا من الذكر، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وتسمع شيئا من المواعظ والإرشادات، فهلم إلى هذا المكان الذي تلقى فيه هذه النصائح وهذه المواعظ.
فلكم -إن شاء الله- أجر على ما تبذلونه، وعلى ما ترشدون به من يستقيم من هؤلاء الشباب؛ فليس كلهم معاندين؛ فكثير منهم ينصاعون إذا نصحوا. إذا سمعوا كلمة توجيهية فإن الله سبحانه وتعالى يهديهم، ويقبل بقلوبهم. يحتسب المسلم نصيحته لإخوانه ولأبناء إخوانه المسلمين الذين يجمعه وإياهم أخوة الدين، أخوة الإسلام، فإن الله تعالى ربط الإخوة بين المؤمنين، فإذا كنا إخوة كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا فإن من حق المسلم على أخيه: أن ينصح له لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
فإذا كنت تحب لأولادك أن يكونوا مستقيمين؛ فكذلك تحب لأولاد إخوانك المسلمين أن يكونوا على الاستقامة؛ أن يتعلموا القرآن، وأن يحفظوه أو يحفظوا منه ما تيسر، وأن يتعلموا السنة النبوية، وأن يحفظوا منها ما تيسر أيضا، وكذلك
–أيضا- أن يتعلموا الأحكام الدينية، وأن يتعلموا التوحيد، وأن يتعلموا العقيدة الدينية؛ العقيدة الإسلامية، وكذلك أيضا يتعلمون ما يكونون به على الهدى. إذا عملوا عَملوا على بصيرة وعلى نور وبرهان. إذا كانوا كذلك فإننا نحب لهم أن يتعلموا ذلك.
وسائل التعليم موجودة والحمد لله، موجودة في هذه المخيم –مثلا- وإن كان مؤقتا، وموجودة أيضا في المساجد، في حلقات العلم، وكذلك حلقات التحفيظ، وكذلك حلقات العلماء الذين وقفوا أنفسهم على شيء من التعليم.
لا شك أننا بحاجة إلى أن ننقذ أولاد إخواننا المسلمين من هذا السفه الذي يستمرون فيه فيكون سببا في قساوة قلوبهم، لا شك أن هذا اللعب وهذا اللهو يسبب قسوة القلوب، ويسبب انعراضها عن الخير وبعدها عنه؛ فإن الإنسان كلما أعرض عن الخير قسا قلبه، قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ يقول بعض الصحابة كابن مسعود يقول: ما لبثنا سنة حتى عاتبنا الله تعالى بعد الهجرة بهذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ؛ يعني: أما آن لكم أيها المؤمنون أن تخشع قلوبكم وتخضع، وتتواضع لذكر الله تعالى؛ فإن ذكر الله تعالى يلين القلوب، ويزيل قسوتها، أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ؛ يعني: وما نزل من هذا القرآن الكريم، وأن يعملوا بذلك، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ يعني: كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم بسبب إعراضهم عن هذا الحق.
فنقول: إن هذا اللهو وهذه الملاهي، وهذه المفاسد، وهذه الألعاب تسبب الرين على القلوب، وتسبب قسوتها وإعراضها، وتسبب ثقل مجالس الخير ومجالس الذكر، إذا رأيتم الذين ينفرون من مجالس الذكر فأولئك الذين قست قلوبهم؛ فإن المؤمن يلين قلبه إلى ذكر الله، كما في قول الله تعالى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وأما الذين إذا ذُكِّروا لا يذكرون فأولئك هم المعرضون، أن ذَكِّروهم بقول الله تعالى تحذيرا من بعض الصفات: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ .
ذكروهم بمثل هذه الآيات وخوفوهم، وبينوا لهم أن التذكير الذي نقصده في مثل هذه الأماكن يقصد به أن تلين قلوب أولاد المسلمين، وأن يعرفوا الحق ويألفوه ويحبوه، وأن يتزودوا منه، وأن يستكثروا من الأعمال الصالحة، وألا يزكوا أنفسهم.
إذا نصحنا كثيرا منهم يقولون: نحن نلعب هذا اللعب، وإذا دعي إلى الصلاة صلينا؛ مع أن كثيرا منهم يقدمون اللعب على الصلاة. تجدون –أيضا- كثيرا في هذا المنتزه وغيره؛ تجدون كثيرا منهم جلوسا يلعبون بما يسمى بكيرم، أو ما يسمى ببلوت، أو غيرها من الألعاب، ويزعمون أن ذلك تسلية، وأن ذلك ترفيه عن النفس، وأنهم إذا كانوا دائما جادين في العلم وفي الذكر وما أشبه ذلك فإن نفوسهم تتثاقل، وأنهم يملون، وهذا ليس بصحيح،
بـذكــر الله ترتـاح القــلـوب
ودنيـانــا بذكـــراه تطيـب

ونعرف أن أئمتنا، وسلفنا الصالح -رحمهم الله- كانوا يجتهدون في العلم، ويجتهدون في العمل به، ويجتهدون في الذكر، ويجدون لذلك لذة وراحة، حتى يقول بعض العلماء كأبي سليمان الداراني –رحمه الله- يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. ويراد بأهل الليل: أهل السهر على الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن، هؤلاء أهل الليل؛ الذين ليلهم طاب بما هم فيه من الذكر ومن العبادة؛ هؤلاء ألذ من أهل الملاهي الذين يبيتون طوال ليلهم على سماع غناء وطرب، أو رؤية صور فاتنة، أو ملذات دنيوية يدعونها، أو ما أشبه ذلك، فإنهم كما قال بعض السلف: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإن ذل المعاصي لا يفارق قلوبهم.