اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
محاضرة عن القرآن والسنة
6128 مشاهدة
الأمر باتباع القرآن الكريم


وبعد أن عرفنا ما يتعلق بفضل الكتاب والسنة نقول: إن واجبنا أن نتعلم القرآن ونتعلم السنة وذلك هو ما فرضه الله -تعالى- علينا، فأولا: أخبر -تعالى- بأن هذا القرآن وهذه السنة وهذا الإسلام هو الصراط المستقيم الذي نحرص على اتباعه فقوله -تعالى- في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فسر الصراط بأنه القرآن، وفسر بأنه الإسلام، وفسر بأنه الرسول والكل حق ومعنى اهْدِنَا يعني: دلنا عليه وثبتنا عليه وأرشدنا حتى نعمل به، فيكون ذلك مدحا للقرآن وللسنة بأنه الصراط السوي، بأنه الصراط المستقيم الذي من صار عليه نجا، ومن تركه هلك وتردى فصراط الله تعالى هو سبيله الموصل إليه، ولا شك أن من اتبع القرآن واتبع السنة فإنه يصل إلى رضا الله ويصل إلى ثوابه.
وكذلك أيضا كثرت الأدلة التي فيها الأمر باتباع القرآن ، والسير على نهجه يكثر ذلك في أوائل السور؛ ففي أول سورة البقرة يقول الله -تعالى- ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الإشارة إلى القرآن أي القرآن الذي أنزل عليكم هدى للمتقين؛ أي معناه اهتدوا به واعملوا به إذا أردتم أن تكونوا من المهتدين فمن عمل به فقد اهتدى، ومن تركه فقد ضل وغوي، والمتقون هم أولياء الله الذين حققوا تقوى الله -تعالى- فهو هدى يعني: دليلا لهم، الهدى هو: ما يهتدى به وما يسار على ضوئه، هكذا مدحه الله أخبر بأنه لا ريب فيه فإذا شك فيه ليس يتطرق إليه شيء من الشك أو الريب، كذلك في أول سورة آل عمران قال الله تعالى: الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ .
فالكتاب هو القرآن نزله بالحق، والفرقان هو القرآن أخبر بأنه نزل عليك الكتاب بالحق؛ أي مشتملا على الحق ولا شك أن هذا مدح له، وأمر بالسير على نهجه حتى يصير من تمسك به من أهل الاستقامة، وهكذا أيضا قول الله تعالى في أول سورة الأعراف: المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ يعني: لا تتحرج منه أن تبلغه، وأخبر بأنه تذكير للمؤمنين وأمر بالاتباع له في قوله: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ هكذا أمرنا باتباعه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ومعنى ذلك: تقبلوا ما أنزل إليكم وهو هذا الكتاب الذي أنزله على نبيكم قال: فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ أي تحذر به من خالفه ومدحه بأنه ذكرى وموعظة وإرشادا لمن أراد الله به خيرا.
لا شك أن هذا أمر لنا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الاتباع هو السير على نهجه يعني: تقبلوه واعملوا به وطبقوا تعاليمه وبذلك تكونون حقا من الذين قبلوا القرآن وعملوا به، فأما من لم يقبله فليس من أهله وليس من العاملين به، هكذا يأمرنا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وهكذا أيضا يمدح الله -تعالى- القرآن في أوائل السور كقوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ الحكيم: المحكم، وكذلك المبين :الذي هو بين واضح، وصفه الله -تعالى- بهذه الصفات حتى يعمل به العباد وحتى يتقبلوه، كذلك أيضا يأمرنا بأن نعمل به؛ العمل به هو تقبل كل ما جاء في القرآن وعدم رد شيء منه.
فمتى سمع المسلم آية تتلى عليه من كتاب الله فإن عليه أن يحرص على أن يطبقها وأن يعمل بها ولا يرد شيئا من كتاب ربه؛ ليكون بذلك من المتبعين حقا، متى لم يرد آية ولم يخالف دليلا فإنه يكون من المتبعين حقا لكتاب الله تعالى ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
واجبنا أن نعمل به وأن نتلوه حق تلاوته قال الله -تعالى- الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ هذا من الواجب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ فهذا من أول ما يجب على المسلم أن يتعلم القرآن؛ يتعلمه يعني: يقرأه ويستمع إليه ويتدبره ويحرص على أن يحفظ منه ما تيسر، يحرص على أن يتعلم آياته ودلالاته، وقد كان الصحابة رضي الله -تعالى- عنهم يحرصون على تعلمه وعلى تدبره وعلى العمل به، فكانوا يفتخرون بذلك ما أن يسلم أحدهم إلا ويعكف على قراءة القرآن وعلى حفظه أو حفظ ما يقدر عليه منه.