(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
محاضرة في أحكام التصوير
4684 مشاهدة
أثر الصور في حدوث الشرك

ودليل ذلك أن أول شرك حدث في جنس الإنسان ما فعله قوم نوح قبل أن يأتيهم نوح كان هناك قوم صالحون: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر كانوا رجالا صالحين، ولما ماتوا أوحى الشيطان إلى أهليهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها صورا وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد.
فلما مات أولئك ونُسي العلم عُبدت، أوحى الشيطان إليهم أن يعكفوا على قبورهم؛ فعكفوا على القبور، ثم بعد مدة جاءهم وقال: صوروا صورهم من حجارة أو من خشب، وانصبوها على القبور، أو انصبوها في المجالس؛ فصوروا صورهم، وبقيت تلك الصور مدة، الذين نحتوها يعلمون أنها صور.
جاء الشيطان إلى مَن بعدهم، وقال: إن من قبلكم كانوا يعبدونهم، يدعونهم، فإذا دعوهم أغيثوا وأجيبت دعوتهم؛ فكان ذلك سببا في أنهم عبدوا تلك الأصنام، وسموها آلهة، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ثم إن العرب والمشركين توارثوا هذه الأصنام.
وكذلك أيضا في قوم إبراهيم كانوا ينحتون أصنامهم على صور رجال، ينحتونها من خشب، وينصبونها ويسمونها آلهتهم. ولما أن الله تعالى بصَّر إبراهيم ؛ بصره بما بصره به؛ عزم على أن يحطمها، فقال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فلما خرجوا وتأخر عنهم وقال: إِنِّي سَقِيمٌ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ -تلك الصور- وقد جعلوا عندها طعاما فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ يخاطب تلك الصور التي هي من خشب: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ لماذا لا تتكلمون؟! فعند ذلك أخذ فأسا، وحطم تلك الصور إلا كبيرها فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ وعلق الفأس على ذلك الكبير.
فلما رجعوا -وإذا صورهم قد كسرت- قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ؛ فذُكر لهم إبراهيم فأتوا به على أعين الناس ليشهدوا عليه. فلما قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا ؛ فأنكر ذلك من باب التوبيخ لهم، و قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ قولوا لهم: من الذي حطمكم؟! إذا كانوا ينطقون ويتكلمون. وكل ذلك من باب السخرية.
وهذا دليل على أن الأصل في عبادة الأصنام هو نحتهم لتلك الصور؛ سواء كانت من خشب ينحتونها على صور قوم صالحين، أو كانت من حجارة ينحتونها.
فهذه الحجارة التي هي حجارة قديمة؛ قيل: إنها على عهد بوذا الذي يدين بديانته هؤلاء البوذيون، الذين هم خلق كثير على هذه الديانة الباطلة، قيل: إنهم يقدرون بستمائة مليون يدينون بهذه الديانة، ويعظمون هذه الصور. فنقول: ما الفائدة من إبقاء هذه الصور الحجرية في بلاد يحكمها المسلمون؟! إذا كان الذين يعبدونها هم هؤلاء البوذيون، فما فائدة بقائها؟!
كذلك أيضا سمعنا أن بعض الدول التي تتسمى بالإسلام كالإيرانيين يقولون: اتركوها في ولايتنا، ونحن نعوضكم عنها أو ما أشبه ذلك، يريدون بذلك أن يجنوا من ورائها ما يجنون من الأموال، أو أنها أيضا معظمة عندهم، وهذا كله من تعاون المشركين بعضهم مع بعض الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ .
فإذا عرفنا أن هذه الضجة إنما هي لأجل أمور شركية أو نحوها فلا يستغرب. لا يستغرب من المشركين أن يقوموا وأن يتناصروا، وأن يؤيد بعضهم بعضا، ولو كانوا يتسمون بأنهم مسلمون.