لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
11281 مشاهدة
حكم تعدد الجوامع في البلدة الواحدة

...............................................................................


بعد ذلك توسعوا في تعدد الجوامع، واعتذروا بكثرة المصلين وازدحامهم، مع أنهم كانوا في عهد عمر -رضي الله عنه- يزدحمون، حتى أنه قال: إذا لم يستطع أحدكم أن يسجد، فليسجد على ظهر أخيه؛ يعني كانوا يتقاربون، ليس بين الصفين إلا قدر ذراع، فإذا سجد ما كان قدَّامه مكان يضع وجهه عليه، فقد يسجد على ظهر الذي قدامه، ويسجد الصف كلهم على ظهور الآخرين الذي قُدَّامهم لتقارب الصفوف وازدحامهم، ولم يُرخِّص لهم أن يصلوا في جوامع أخرى.
والحاصل أن هذا هو العذر؛ يعني هو السبب أن يجتمعوا كلهم ويتلاقوا ويتعارفوا ويتآلفوا؛ ولأجل ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن المسجد كان صغيرا.
تعرفون الزيادات التي زيدت في عهد بني أمية، ثم الزيادات في عهد الترك، ثم الزيادة في عهد الملك سعود ثم الزيادة في هذا العهد في المسجد النبوي في العهد النبوي كان المسجد صغيرًا يمكن أن مساحته نحو عشرين في عشرين أو قريبا منها، ومع ذلك يتسع لهم، والذين يزيدون يصلون في أطراف المسجد، ويصلون في ما قرب منه.
والحاصل أن تعدد الجوامع ما حدث إلا في عهد قريب بعد أن اتسعت البلد، وبعد أن كثر السكان فقالوا: يُرخَّص في تعدد الجوامع.
الأمر على ما كان عليه إلى عهد قريب، أدركنا أهل القُرى؛ يعني القرى الصغيرة التي فيها بيتٌ أو بيتان أو بساتين يأتون إلى المسجد بعد صلاة الصبح؛ إذا صلى أحدهم تناول طعاما خفيفا أو أكلات خفيفة أو تمرات أو قهوة، ثم ركب حمارًا وتوجه إلى الجامع، فلا يصل إليه إلا بعد أربع ساعات أو ثلاث ساعات، وكثير منهم يأتون على أقدامهم وذلك لعدم الرخصة في تعدد الجوامع؛ ولأن الحكمة فيه أن يجتمع أهل البلد كلهم ويتعارفون ويتآلفون؛ هذا هو السبب في شرعية الجمعة.
زيادة على أنهم يتعلمون علمًا محددًا؛ فإن في الجمعة هذه الخطب التي يتعرض فيها الخطباء لشرح كثير من الأحكام، ولبيان الحلال والحرام، وكذلك أيضا يعظون الناس ويذكِّرونهم، وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يستفيدونه.
زيادة على الأجر الذي يلحقهم مقابل تعبهم، فيقولون: هذا التعب الذي نتعبه؛ نغيب عن بلادنا ساعتين أو خمس ساعات أو ست ساعات، وكذلك نُتعِب أنفسنا نرجو بذلك الأجر، ونرجو أن تكتب خطواتنا.
فهذا هو الأصل، ولم يذكر أن أحدًا يتخلف إلا النساء والمرضى ونحوهم، وأما العبيد المملوكون فإنهم يأتون أيضا ولا يتخلفون، ويُقدِّمون حق الله تعالى الذي هو أداء هذه العبادة على حق سادتهم، وما ذاك إلا أن هذه هي العبادة التي خلقهم الله لها، والسيد لا يجوز له أن يمنع مماليكه وخدمه عن صلاة الجماعة، كما لا يمنعهم عن الصيام؛ وذلك لأن هذا حق الله، ولا يقول: إنه إذا صام يتعب ولا يؤدي حقي ولا يؤدي خدمتي، نقول: إن الصيام حق الله وفريضته، فهو مقدم على حقك وعلى حق كل مخلوق.