الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
53488 مشاهدة
بُعْد ابن تيمية عن التأويل

...............................................................................


مـا العلم نصبك للخلاف سفاهة
بــين النصوص وبين رأي فقيه
أي: ليس العلم هو أن تنصب النصوص، وتعارض بعضها ببعض، وتطعن هذا بهذا، فإن هذا مما لا يحبه الله، ومما يكون سببا لرد الأدلة، ويقول آخر:
كل العلـوم سوى القرآن مشغلة
إلا الحديث وإلا الفقه في الديــن
العلـم ما كـان فيه قـال حدثنا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
فلذلك يقول الشيخ هاهنا:
وأقــول قـال الله جـل جـلاله
والمصطـفى الهـادي ولا أتـأول
يعني: أقتصر على: قال الله، قال رسوله، ولا أتأول.
التأول هو: صرف اللفظ عن ظاهره، وهو الذي وقع فيه المعتزلة والأشعرية وسائر المبتدعة؛ الذين صارت أدلتهم؛ الأدلة عندهم محرفة مصروفة عن ظاهرها، وعن دلالتها. إذا جاءهم الدليل قالوا: هذا يحتاج إلى تأويل، وما مرادهم بالتأويل؟ هو في الحقيقة التحريف كاليهود يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ فعابهم الله بقوله: يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
ذكر العلماء أن التحريف: ينقسم إلى تحريف لفظي، وتحريف معنوي فالتحريف اللفظي: تغيير الكلمة، حتى يتغير معناها، تغيير لفظها. مثل المعتزلة والأشعرية ونحوهم يقولون في: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أي: استولى، فيزيدون فيها لاما، وهذا تحريف لفظي. زادوا في القرآن ما ليس منه، فقالوا: استوى يعني: استولى، ولو كان كذلك لكان العرش مثل غيره أن الله استولى على جميع المخلوقات.
ولا يجوز أن يُقال: الرحمن على الأرض استولى، الرحمن على .. استوى فالاستواء غير الاستيلاء؛ فتكون هذه اللام زيادة حرفوا بها الكلام؛ ولذلك يقول .
ابن القيم لما ذكر أدلة العلو، وأنه نوعها إلى واحد وعشرين دليلا قال:
منه استواء الرب فوق العرش في
سـبع أتـت فـي محكم القـرآن
وكـذلك اطـردت بـلا لام ولـو
كانت بمعنـى الـلام في الأذهـان
لأتت بها في موضع كي يحمل الـ
باقـي عليهـا وهـو ذو إمكـان
يقول: إن الله تعالى ذكر الاستواء في سبعة مواضع من القرآن، وكلها اطردت بلا لام، لم يرد في موضع واحد استولى، لو جاءت في موضع واحد استولى لقالوا: يُحمل المطلق على المقيد، فلما لم يكن فيها لام في أحد المواضع دل على أن هذه اللام من زيادتكم أيها المعتزلة؛ ولذلك يقول ابن القيم في النونية أيضا:
نـون الـيهود ولام جهمي همـا
في وحـي رب العـرش زائدتـان
يعني: اليهود لما قيل لهم: قولوا حِطة، قالوا: حنطة، فزادوا فيها نونا، والجهمية لما قيل لهم: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قالوا: استولى، فزادوا فيها لاما:
نـون اليهـود ولام جـهمي هما
في وحـي رب العـرش زائدتـان
يسمون هذا تأويلا، ويقولون: التأويل صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يقترن به؛ هكذا يفسرون التأويل.
ونحن نقول: على تعريفكم التأويل: هو تحريف الكلم عن مواضعه، فأنتم من الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه شئتم أم أبيتم؛ حيث أنكم تصرفتم في دلالة الألفاظ، وزدتم فيها، وغيرتم دلالتها.