إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
53451 مشاهدة
الصراط وصفته

...............................................................................


مما ذكر أن في الآخرة أيضا أن الصراط ينصب على متن جهنم، الصراط: طريق يمر منه الناس، ويمرون عليه بأعمالهم، ورد وصفه أنه دَحض مزلة تزل عنه الأقدام.
وورد أيضا أنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف هكذا بمعنى أنه يمشون عليه، وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف، فيمشون عليه بأعمالهم، ويقول في الحديث: إنهم يمرون عليه، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان، تخطف من أمرت بخطفه، فناج مُسلَّم ومخدوش، ومكدوس في النار .
هذا الصراط المنصوب على متن جهنم نؤمن به بهذا الصراط الذي هو منصوب على متن جهنم يمرون عليه على قدر أعمالهم، فأهل التقى، وأهل الإيمان القوي، وأهل الأعمال الصالحة، وأهل الفضل، وأهل نوافل الأعمال الصالحة، يمرون عليه مثل البرق لا تقر الأعين فيهم من سرعتهم.
ومنهم أيضا الذين هم قريب منهم يمرون كمر الريح، الريح الهواء السريعة تشاهدون سرعتها يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل، يعني كالفرس الجواد الذي يجري جريا سريعا.
وبعضهم يمر كالركاب يعني: كالإبل التي تسرع أيضا في السير، ومنهم من يمر أيضا على قدميه، ولكن يمشي يسعى يعدو عدوا أي يسعى سعيا شديدا، ومنهم من لا يقدر إلا على المشي يمشي مشيا؛ ولكن يثبتهم الله على ذلك الصراط، ولو كان دقيقا، ومنهم من لا يستطيع المشي إلا أن يزحف زحفا.
ورد في وصف هذا الصراط أيضا أن ارتفاعه مسيرة ألف سنة، وأن استواءه ألف سنة، وأن نزوله ألف أي أن مدته ثلاثة آلاف، ولكن الذين يمرون كالبرق قد يقطعون هذه المسافات في زمن قصير، وكذلك الذين يمرون كالريح ونحوهم.
ذكر أن الرسل على جنبتي الصراط يقولون لا يتكلم إلا الرسل، ودعوة الرسل يومئذ اللهم سلم سلم يدعون الله تعالى أن يسلم أممهم اللهم سلم سلم.
على جنبتي الصراط يعني: على أطرافه كلاليب يعني: الكلوب هو الحديدة المحنية التي رأسها محدد، ولكنها لا يعلم قدرها إلا الله، فتخطف من أمرت بخطفه إذا مر من هو من أصحاب النار، أو من أهل كبائر الذنوب اختطف وألقي في النار، قالوا: إن الصراط منصوب على متن جهنم، وإن هذا هو الورود الذي ذكر الله أنه لا بد منه في قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا أي لا بد لكل خلق من الخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم أن يردوا هذه النار، ويسمى هذا القسم فلا بد أن يكون يمروها ولكن المؤمنون عندما يمرونها لا يحسون بها.
ورد أيضا: أن النار تقول للمؤمن جُز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي، وأنهم إذا دخلوا الجنة يقولون: قد وعدنا بأن نردها، فأين هي ونَمُرّ فيُقال: إنكم مررتم عليها وهي خافتة، وهذا هو المرور وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا .
ثم بعدما يتجاوزون الصراط يُوقَفون على قنطرة بين الجنة والنار، ورد ذلك في حديث وإذا وقفوا فإنهم يتخاصمون ويتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، كل من كانت له مظلمة يأخذها من الظالم حتى لا يبقى بين أحد لأحد مظلمة، فإذا هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ أي: إذا دخلوا الجنة لم يكن في قلب أحد غِلّ، أو حقد، أو بغضاء، أو شنآن، أو عداوة من بعضهم لبعض إخوانا على سرر متقابلين أصبحوا إخوانا إذا كان بينهم شيء من الإحن والعداوات في الدنيا أزيلت.
فإذا دخلوا الجنة، وإذا قلوبهم على قلب واحد ليس في قلب أحد منهم حقد أو بغضاء، إذا وقفوا على هذه القنطرة اقتص من بعضهم لبعض مظالم كانت بينهم، لم يذكر الناظم في هذه العقيدة شفاعة الشافعين، فنشير إليها.