الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
الجهل وآثاره
18520 مشاهدة
لا عذر لأحد على جهله والتحذير من عقوبات الأمم السابقة

فإذا علمنا أن هذه من آثار الجهل، فإن لها -أيضا- عقوبات وذلك لأن أهلها ولو ادعوا أنهم جهلة وأنهم لا يعرفون نقول لهم :
لستم بمعذورين، فأنتم مسلمون وأنتم مكلفون وأنتم تعترفون بأن لكم شريعة، وبأن الله أنزل عليكم القرآن ، والرسول علمكم السنة وأورثكم إياها التي هي بيان للقرآن ، فلديكم الأدلة الواضحة وعندكم ما تستنيرون به فلا عذر لأحد في أن يبقى على هذا الجهل إذن فما هي الآثار :
ألا تخافون أن يقع بكم ما وقع بغيركم من آثار هذه المخالفات وهذه المعاصي فإن الله -تعالى- عاقب من قبلنا بعقوبات متباينة شديدة بسبب الكفر والشرك والمعاصي وتكذيب الرسل إما قوليا أو فعليا فما الذي أخرج آدم من الجنة ؟ أخرج الله آدم من الجنة لذنب واحد لما أنه أكل من الشجرة وقد نهي عنها ، آدم أخرج من الجنة بذنب واحد، وأنتم تعملون الذنوب وتكثرون منها وترجون أن تدخلوا الجنة .
وما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان الذي ارتفع على رؤوس الجبال نحو سبعين ذراعا فوق رأس كل جبل أليس سببه التكذيب ؟ أليس سببه هو الشرك والمعاصي وهي قد فشت وانتشرت، وما الذي أهلك قوم عاد ؟ أرسل الله عليهم رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى ما الذي سبَّب ذلك ؟ أليس هو تكذيبهم ؟ أليس هو معصيتهم وذنبهم ؟ وما الذي أهلك قوم صالح حيث أرسل الله عليهم صيحة، حيث صاح بهم ملك فتقطعت قلوبهم في أجوافهم؛ فأصبحوا صرعى كموت رجل واحد لما أنهم عقروا الناقة وقالوا: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لا شك أن ذلك من آثار الجهل، وهكذا نتذكر عقوبة الله لقوم لوط لما أنهم فعلوا الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، وهو كونهم استحلوا نكاح الذكران ، قال تعالى : أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ فعاقبهم الله فأرسل لهم ملكا اقتلع بلادهم ورفعها حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها ، قال تعالى : فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أي المصر على فعلهم يترقب أن ينزل به ما نزل بهم؛ ولهذا ذكر بعض العلماء أن عقوبة فاعل فاحشة اللواط فعل قوم لوط أنه يلقى على رأسه من أعلى شاهق، أو من أعلى بناء في البلد، ثم يتبع الحجارة تشبيها بما حصل لقوم لوط من هذه العقوبة . كذلك قوم شعيب أهلكهم الله تعالى بالظلة وذلك أنهم أصابهم حر شديد وغم بسبب أنهم كذبوا شعيبا فمرت بهم سحابة فاعتقدوا أن بها ظلا يريحون به أنفسهم ويبردهم، فلما اجتمعوا بها نزل عليهم بها نار فأحرقهم فماتوا عقوبة لهم لما كذبوا بنبيهم، وحكى الله -تعالى أيضا- ما عاقب الله به قوم فرعون عندما أغرقهم وقوم موسى ينظرون إليهم حيث دخلوا البحر، فلما تكاملوا فيه أمره الله -تعالى- فانطبق عليهم فذهبت أرواحهم للحرق وأجسادهم للغرق، كذلك -أيضا- ذكر الله -عز وجل- ما عاقب به قوم موسى الذين هم أصحاب موسى لما لم يطيعوه على دخول القرية فعاقبهم الله -تعالى- بالتيه أربعين سنة يتيهون في الأرض لا يهتدون سبيلا ولا يدرون أين يتوجهون لما عصوه في معصية واحدة وهي قولهم : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ نتذكر أن هذه العقوبة من آثار عقوبات المعاصي ونحوها، تلك المعاصي التي قد يكون سببها الجهل والإعراض عن الشريعة التي خلق الإنسان لها وأمر بها.