الرد على ابن حزم
فساد الاعتبار
يقول الله جل وعلا: رسم> قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قرآن> رسم> .
تكلمنا بالأمس على قوله: رسم> قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قرآن> رسم> .
وقوله-جل وعلا- حكاية عن إبليس: رسم> قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قرآن> رسم> كأن الله لما سأل إبليس وهو عالم، لأنه -جل وعلا- أعلم بالموجب الذي بسببه امتنع إبليس من السجود قال له: رسم> مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قرآن> رسم> وهو أعلم، فأجاب إبليس عليه لعائن الله بما كان يضمره من الكبر، وكأنه اعترض على ربه، وواجه ربه جل وعلا بأن تكليفه إياه أمر لا ينبغي ولا يصلح فخطأ ربه جل وعلا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وجعل ذلك ذريعة له ومبررا في زعمه الباطل لعدم السجود. رسم> قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قرآن> رسم> .
كيف تأمرني بأن أسجد لآدم اسم> وأنا أفضل من آدم اسم> ؟
والفاضل ليس من المعقول أن يؤمر بالسجود للمفضول فهذا تكليف ليس واقعا موقعه. هذا قول اللعين لعنه الله: رسم> أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قرآن> رسم> .
خير تستعمل استعمالين، تستعمل اسما للخير الذي هو ضد الشر، وكثيرا ما تستعمل في المال كقوله: رسم> إِنْ تَرَكَ خَيْرًا قرآن> رسم> أي مالا.
وتستعمل صيغة تفضيل، وهو المراد هنا.
فقوله: رسم> أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قرآن> رسم> أصله أنا أخير منه، أي أكثر خيرا منه لفضل عنصري على عنصره، ولفظة خير وشر جعلتهما العرب صيغتي تفضيل، وحذفت همزتهمـا لكثرة الاستعمال كمـا قال ابن مالك اسم> في الكافية:
وغالبـا أغنـاهمـا خـير وشـر | عـن قولهـم أخـير منـه وأشـر |
والذي هو الفاضل، والذي هو أكثر فضلا وخيرا لا ينبغي أن يهضم ويؤمر بالسجود لمن هو دونه، فهذا التكليف ليس واقعا موقعه؛ ولذا لا أمتثله فتكبر، وتجبر، وجعل تكليف ربه له واقعا موقع ... عليه لعائن الله، فباء بالخيبة والخسران، نعوذ بالله جل وعلا.
قال إبليس: أنا خير من آدم اسم> ثم بين سبب الخيرية فقال: رسم> خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ قرآن> رسم> يعني أن عنصري أشرف من عنصره؛ لأن النار في زعمه أشرف من الطين؛ لأن النار مضيئة، نيرة، طبيعتها الارتفاع، خفيفة، غير كثيفة، وأن الطين .. كثيف، مظلم، ليس بمرتفع، هذا قوله في زعمه.
وزعم أن الفرع تابع لعنصره في الفضل، فقاس نفسه على عنصره الذي هو النار، وقاس آدم اسم> على عنصره الذي هو الطين، واستنتج من ذلك أنه خير من آدم اسم> ؛ لأن عنصره في زعمه خير من عنصره.
.. الذي هو رسم> اسْجُدُوا لِآدَمَ قرآن> رسم> على إبليس لعنة الله.
وأول من قاس قياسا فاسدا ورد به نصوص الله وأوامره ونواهيه هو إبليس اللعين عليه لعائن الله، فكل من رد نصوص الشرع الواضحة بقياسات باطلة عنادا وتكبرا، فإمامه إبليس؛ لأنه أول من رد النصوص الصريحة بالمقاييس الكاذبة عليه لعنة الله.
وقياس إبليس هذا باطل من جهات عديدة.
الأول منها- أنه مخالف لنص أمر رب العالمين؛ لأن الله يقول: رسم> اسْجُدُوا لِآدَمَ قرآن> رسم> وكل قياس خالف أمر الله الصريح فهو قياس باطل، باطل، باطل.
وقد تقرر في علم الأصول أن كل قياس خالف نصا من كتاب أو سنة فهو باطل، ويقدح فيه بالقادح المسمى فساد الاعتبار.
ومخالفة القياس للنص تسمى فساد الاعتبار، وتدل على بطلان القياس فهذا وجه من أوجه البطلان؛ لأنه مخالف للنص الصريح. ولا إلحاق، ولا قياس مع وجود النصوص الصريحة.
الثاني- أن إبليس كاذب في أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعة الطين الرزانة، والتؤدة، والإصلاح، والجمع، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة، وإذا نظرت إلى البساتين المغروسة في طين .. طيب وجدت ما فيها من أنواع الثمار الجنية، والروائح، والأزهار، والثمار عرفت قيمة الطين.
أما النار فطبيعتها الطيش، والخفة، والتفريق، والإفساد، وكلما وضعت شيئا فيها فرقته، وفسدته، وطبيعتها الطيش، والخفة، يطير الشرر من هنا فيحرق ما هناك، ثم يطير الشرر من هناك فيحرق ما وراءه، والذي طبيعته الطيش، والخفة، والإفساد، والتفريق لا يكون خيرا من الذي طبيعته التؤدة، والرزانة، والجمع، والإصلاح، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة، فالطين خير من النار بأضعاف؛ ولذا غلب على إبليس عنصره وهو الطيش، والخفة فقاس، وتمرد على ربه، وخسر الخسران الأبدي.
وغلب على آدم اسم> عنصره الطيني فلما وقع في الزلة رجع إلى السكينة، والتؤدة، والتواضع، والاستغفار لربه حتى غفر له.
الثالث- أنا لو سلمنا تسليما جذريا أن النار خير من الطين فشرف الأصل لا يدل على شرف الفرع فكم من أصل شريف، وفرعه وضيع. وكم من أصل وضيع وفرعه رفيع.
إذا افتخـرت بآبـاء لهـم شـرف | قل لا صدقت ولكن بئس ما ولـدوا |
مسألة>