إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
خطبة الجمعة بعنوان التمسك بالكتاب والسنة
17093 مشاهدة print word pdf
line-top
الحث على استغلال الأوقات الفاضلة وبيان فضل شهر الله المحرم

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي، واحذروا المعاصي فإن أبدانكم على النار لا تقوى، وتواضعوا لله فإن من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، ومن زرع التقوى حمد عند حصادها ما زرعه.
واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكرر علينا التمسك بسنته؛ فكان يقول في خطبته: إن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وفي رواية: وكل ضلالة في النار .
واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، وعلى رب العزة ستعرضون، واعلموا أن مآلكم لا في هذه الدار.. لأنها دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، وتأهبوا ليوم حسابكم، وعرضكم على ربكم يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ .
واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسوف يتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم واستعدوا للموت ولما بعد الموت، وذلك بإحياء السنة وبإماتة البدع، وبهجر المبتدعين الذين أفسدوا في دين الله ما ليس منه.
واغتنموا أوقات الفضل وأوقات الشرف؛ فإن منها هذا الشهر الكريم، ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم يعني هذا الشهر جعل الصيام فيه من أفضل الصيام؛ وذلك لفضله ولأنه أول السنة الهجرية، ولأنه آخر الأشهر الحرم، التي جعلها الله تعالى وسماها أشهرا في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فهذا هو آخرها وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة وشهر المحرم، فمن حرمته ومن فضله أن الصيام فيه أفضل من غيره.
ثم إن من بين أيامه اليوم العاشر الذي صامه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بصيامه؛ وذلك لأنه لما قدم المدينة في السنة الأولى من الهجرة، وجاءت السنة الثانية وإذا اليهود يستعدون لصيام هذا اليوم العاشر من شهر محرم فسألهم فقالوا: إنه يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، فصامه موسى -عليه السلام- فنحن نصومه فقال -صلى الله عليه وسلم-: نحن أحق بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه .
هكذا جاءت السنة في صيام أو في فضل صيام هذا اليوم -اليوم العاشر من هذا الشهر- وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي قتادة أنه قال: صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله يعني أن يكفر الذنوب الصغائر في سنة ماضية، وذلك فضل كبير.
ثم في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له: إن اليهود يصومونه. فأراد أن يخالفهم قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع أي لأصومن اليوم التاسع إضافة إلى العاشر، فلذلك يشرع أن يتفرد المسلم بصيام هذين اليومين، اليوم التاسع واليوم العاشر، ويوافق في هذا الشهر يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء القادم.
وقد روي أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: صوموا يوما قبله أو يوما بعده يعني من لم يتيسر له أن يصوم الثلاثة فيصوم الأربعاء ويصوم الخميس، ومن قوي على أن يصوم الثلاثة فله أجره وله الفضل، ليصوم ثلاثا من هذا الشهر يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، فهذا ما جاء في هذا الشهر، أو ما جاء في فضل هذا اليوم.

line-bottom