عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
خطبة الشيخ في الحرجة
7572 مشاهدة print word pdf
line-top
الوصية بكثرة ذكر الله تعالى

وأوصيكم ونفسي بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الله -تعالى- فاذكروا الله كما أمركم، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الله يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتَحَرَّكَتْ بي شفتاه ويقول: مَنْ ذكرني في نفسه ذكرتُهُ في نفسي، ومَنْ ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم .
ويُخْبِرُ -صلى الله عليه وسلم- بِفَضْلِ ذِكْرِ الله -تعالى- فيقول لصحابته: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والْوَرِقِ، وخير لكم من أن تَلْقَوْا عدوكم؛ فَتَضْرِبُوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله هكذا أخبر بأن ذِكْرَ الله خير من هذه الأعمال كلها.
وما ذاك إلا أَنَّ مَنْ ذكر الله -تعالى- عَظُمَ قَدْرُ ربه في قلبه، ومَنْ ذكر الله -تعالى- تَذَكَّرَ عظمته، وتَذَكَّرَ جلاله وكبرياءه، وتَذَكَّرَ الوقوف بين يديه، وتَذَكَّرَ الحاجة والفاقةَ إليه، وتَذَكَّرَ أنه رب العالمين، وأنه إله الأولين والآخرين، وأنه الْمُتَفَرِّدُ بالتصرف في العباد، وأنه الكبير المتعال، وتذكر أن كل شيء من المخلوقات فإنه حقير وفقير، وذليل وصغير بين يَدَيْ ربه، وأن ربه -سبحانه وتعالى- هو مالك الْمُلْكِ، وهو ذو الجلال والإكرام، وهو الذي بيده الملك، وله الحمد وله الْمَنُّ، وله الثناء الحسن، وهو خالق كل شيء، ورب كل شيء، كما عَظَّمَ نفسه بقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .
فَذِكْرُنا لله -سبحانه- يُذَكِّرُنا بعظمته وجلاله وكبريائه.
وذِكْرُنَا لله -سبحانه- يُذَكِّرُنَا بالوقوف بين يديه، ويُذَكِّرُنَا بالحساب؛ حسابِهِ لنا على الأعمال صَغِيرِها وكبيرِها.
وذِكْرُنَا لله -سبحانه- يُذَكِّرُنا بخشيته والخوف منه.
وذِكْرُنَا لله -سبحانه- يُذَكِّرُنا بيوم القيامة، وما يكون فيه من الجزاء على الأعمال صغيرِهَا وكبيرِهَا.
وذِكْرُنَا لله -سبحانه- يُذَكِّرُنَا بعذاب الآخرة ونعيمها؛ يُذَكِّرُنَا بما وعدنا الله، بما وعدنا وبما تَوَعَّدَ به أهل المعاصي وأهل المخالفات،
فَمَنْ ذكر الله -تعالى- خافه واتقاه، ومَنْ ذكر الله -سبحانه- أطاعه وامتثل ما أَمَرَهُ به، ومَنْ ذكر الله -سبحانه وتعالى- تَرَكَ معصيته وابتعد عن مخالفته، ومَنْ ذكر الله دائمًا فإن الله تعالى يذكره فيما بين ملائكته، كما أخبر بأن مَنْ ذكرني في نفسه ذَكَرْتُهُ في نفسي، ومَنْ ذكرني في ملأٍ ذَكَرْتُهُ في ملأٍ خيرٍ منهم .
وذِكْرُ الله -تعالى- هو كل شيء يُذَكِّرُ به، فدعاء الله تعالى ذِكْرٌ له، وتسبيحه وتحميده ذِكْرٌ له، وتهليله وتوحيده ذِكْرٌ له، وكذلك ذِكْرُ آلائه ونِعَمِهِ من الذِّكْرِ، إذا تَذَكَّرَ العبد نِعَمَ الله عليه فَقَدْ ذَكَرَهُ، وإذا تَذَكَّرَ آياتِهِ ومخلوقاتِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ، وإذا تَذَكَّرَ وَعْدَهُ ووعِيدَهُ فَقَدْ ذَكَرَهُ، وإذا تَذَكَّرَ آياته التي نصبها معجزاتٍ لعباده، وآيات بيناتٍ فَقَدْ ذَكَرَهُ، وإذا تَفَكَّرَ في مخلوقاته، تَفَكَّرَ في نفسه، وتفكر فيما بين يديه وما خلفه، وتَفَكَّرَ في خَلْقِ السماوات والأرض، وتَفَكَّرَ فيما خَلَق من دابة على وجه الأرض في البر والبحر.
فَكُلُّ ذلك من ذِكْرِ ربه، كل ذلك يُذَكِّرُهُ بعظمة الله -سبحانه وتعالى- يُذَكِّرُهُ بأن ربه الذي خلق هذا الخلق؛ هو الذي يستحق أن يُعْبَدَ، وهو الذي يُصَلَّى له ويُسْجَدُ، وهو الذي يُطَاعُ ولا يُعْصَى، وهو الذي تَوَعَّدَ مَنْ عصاه بالعقاب، ووعد مَنْ أطاعه بالثواب، فَأَكْثِرْ يا عَبْدَ الله مِنْ ذِكْرِ الله -تعالى- في كل حالاتك لتكون من الذاكرين الذين وعدهم الله تعالى بقوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .

line-bottom