فوائد من شرح منار السبيل الجزء الثاني
باب صلاة الجمعة
293\141 قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
سُميت بذلك من الجمع أو الاجتماع. وليوم الجمعة فضائل وخصوصيات تميزه عن الأيام الأخرى، وكان أهل الجاهلية يسمونه يوم العروبة. وذكر ابن القيم اسم> -رحمه الله تعالى- ثلاثا وثلاثين خصوصية ليوم الجمعة، ومنها كما ورد في الحديث: رسم> أفضل يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة ... متن_ح> رسم> إلخ.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وهي فرض يومها.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
الأمر هنا للوجوب وليس له ما يصرفه، والمراد بالسعي: شدة الاهتمام بها والتوجه نحوها.
مسألة:
متى يلزم المسلمَ الإتيانُ إلى الجمعة؟
فيها خلاف: منهم مَن قدَّره بالزمان، ومنهم من قدره بالمسافة. ابن عباس اسم> روي عنه أنه قال: تجب على مَن آواه الليل، أما مَن قدَّرَها بالمسافة فقالوا: إذا كان بينها وبينه فرسخ، والفرسخ: ساعة ونصف بالسير على الأقدام ونحوها.
وبعضهم قال: تلزم الجمعة على من سمع النداء، أو في مكان يبلغه النداء لو كان هناك مؤذن؛ لأن الأمر رسم> إِذَا نُودِيَ قرآن> رسم> موجه إلى مَن يسمع النداء، أو يمكن سماعه.
فائـدة:
ومن أحاديث الترهيب في ترك صلاة الجمعة: رسم> لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم متن_ح> رسم> .
وحديث: رسم> من ترك ثلاث جمع تهاونا، طبع الله على قلبه متن_ح> رسم> .
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
كلمة: ولا يشرقون.
هذه الكلمة فيها إشكال، لكن لعل المراد: لا يصلون صلاة الإشراق. وهذا بعيد، ولعل المراد بالإشراق: صلاة العيد.
وعذرهم أنهم على أهبة السفر، غير مقيمين داخل البلد.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
العبد: هو المملوك.
المبعض: هو الذي بعضه حر وبعضه مملوك.
وامرأة: قال شيخنا: ولما كانت المرأة من شأنها الاحتجاب والاحتشام؛ لم تؤمر بالجمعة.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
أي في حديث طارق بن شهاب اسم> -رضي الله عنه- مرفوعا: رسم> الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض متن_ح> رسم> رواه أبو داود اسم> حديث> .
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
ورد فيه حديث أن أول جمعة كانت بالمدينة اسم> كان عددهم أربعين رجلا، ولكن ليس فيه دليل على أن الأقل من الأربعين لا يجوز لهم جمعة. وعند المالكية: اثنا عشر. واستدلوا بأن الذين جلسوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر، ونزلت: رسم> وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا قرآن> رسم> الآية.
وذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى جواز انعقادها بثلاثة، وهم: خطيب، ومستمعان. وقال: لأنها من الجَمع، وأقل الجمع ثلاثة.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وهذه الشروط كأنهم حصروها بالتتبع والاستقراء.
فائـدة:
قال شيخنا -حفظه الله- آمين:
أدركت أناسا إذا صلوا الصبح ركبوا دوابهم، ثم توجهوا إلى مكان الجمعة من مسيرة بعيدة، فيصلون إلى المسجد عند الأذان الأول، وبعد الصلاة يستريحون قليلا عند بعض أهل البلد، ثم يعودون إلى أهليهم قرب الليل، رحمهم الله أجمعين.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
ذهب بعضهم إلى أنها تجوز وقت الضحى.
وقال -حفظه الله-
والخطبتان لو وقعتا قبل الزوال فليس هناك مانع، المهم أن تكون الصلاة بعد الزوال. والذين كرهوا أن تكون قبل الزوال، أجابوا عن الآثار بقولهم: إن الصحابة مجتهدون أو معذورون، والحجة في فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينقل أنه كان يصليها قبل الزوال.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
وفيه خلاف وقد تقدم.
وتقدم أيضا أن شيخ الإسلام- رحمه الله آمين- اختار أن ثلاثة تصح بهم الجمعة.
ثم قال شيخنا -حفظه الله آمين-
ولم أجد هذا القول في شيء من كتبه، لكن عزاه إليه صاحب الاختيارات وصاحب الإنصاف.
ولكني رأيت في كتابه المسائل الماردينية أنه ذهب إلى القول بالأربعين كما هو المذهب.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
بخلاف العيد فخطبتاه بعد الصلاة.
وأيضا يقال: إن الخطبتين في الجمعة واجبتان، ويفصل بينهما بجلوس، وتكون الجلسة خفيفة، وهذا مأخوذ من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعل الخلفاء الراشدين، وفعل الأمة المتبعة للسنة، وأدلة ذلك كثيرة.
ويؤخذ أيضا أنهم لو اجتمعوا ولم يخطب بهم أحد، فإنهم يصلونها ظهرًا.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
عند الإمام أحمد اسم> وقت الجمعة يبدأ من بعد طلوع الشمس كوقت العيد، وعند الجمهور: أن الخطبتين لا بد أن تكونا بعد الزوال.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وهذا الشرط لمن قيد صحة الجمعة بأربعين رجلا. وهم الحنابلة وغيرهم، يجيزون الخطبة باثني عشر، ومن أجاز الصلاة بثلاثة، أجاز الخطبة بثلاثة وهكذا.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
وأنا أختار أن خطبة المسافر تصح بالمقيمين.
قال -حفظه الله آمين-
والذين قالوا بصحة خطبة المسافر استدلوا بحديث: رسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بأهل مكة اسم> تسعة عشر يومًا وهو يقول: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر متن_ح> رسم> وفي إقامته هذه تخللها جمعة، والأصل أنه هو الذي يخطب بهم.
أما الذين منعوا فردوا على هذا بقولهم: لم يأت نص في أنه خطب بهم.
قال شيخنا -حفظه الله-
ونقول: ولم يأتنا نص في أنه قدَّم أحدا يخطب بهم.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
ولعل أقوى دليل على وجوب الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو ذكر اسمه في الشهادتين، واستدلوا بقوله -تعالى- رسم> وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ قرآن> رسم> .
308\144 (2- والصلاة على رسول الله).
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
ولم يذكر التشهد هنا وقد ورد حديث: رسم> كل خطبة ليس فيها تَشَهُّدٌ فهي كاليد الجذماء متن_ح> رسم> .
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
وبعض الفقهاء يقول بسُنِّيَّةِ قراءة الآية، وأنه إذا تكلم على معنى الآية فذلك جائز.
والذين اشترطوا آية قالوا: لا بد من قراءتها من أولها إلى آخرها.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
وقوله: كان يدل على الاستمرار.
فائـدة:
نقل عن الشافعي اسم> أن القيام ركن؛ وذلك لأنه لم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلافه، وكذلك الخلفاء الراشدين.
قال شيخنا -حفظه الله-
وهو وجيه.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
أخذها بعض الفقهاء على ظاهرها فقالوا: مَن لم يقل: اتقوا الله. فلا تصح خطبته.
وبعضهم قال: المقصود من تقوى الله مخافته، فإذا خوَّف الناس بالله، وذكر النار وذكر التهاون بالمعاصي، فإنه يكتفي بذلك. لكن الأحوط أن يأتي بكلمة التقوى؛ لأنها قد وردت في القرآن مرات عديدة، وهي وصية الله الأولين والآخرين، قال -تعالى- رسم> وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ قرآن> رسم> ثم هل يشترط أن يذكر لفظ الجلالة مع ذكر التقوى، أم يكتفي بذكر التقوى فقط؟
الصحيح أن ذكر التقوى وحدها يكفي؛ لأن كلمة تقوى يقصد بها التخويف من العذاب، والترهيب من التهاون بالمعاصي.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
فلو أخر الصلاة بعد الزوال وقدم الخطبتين قبل الزوال لم تصح؛ لأنه لم تكن هناك موالاة إذا طال الفصل بينهما.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
والعدد المعتبر أربعون رأس> كما تقدم وهو المذهب.
وإذا كثرت الصفوف فالمعتبر إسماع أربعين رجلاً، كما نص عليه هنا.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
وتجزئ خطبته مُحْدِثًا مع ترك الأولى.
وقد أباح بعضهم أن يخطب ولو كان عليه حدث أكبر، لكن لو قال قائل: كيف يخطب وعليه حدث أكبر وفي أثناء الخطبة سيقرأ شيئا من القرآن؟
فيقال: إن ذكره للآية ليس على سبيل التلاوة، إنما هو على سبيل التذكير.
والخلاصة: أن المشهور خطبة من كان عليه حدث أكبر رأس> وإن كان خلاف الأولى.
فائـدة:
قال كثير من المفسرين عند قوله -تعالى- رسم> قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ قرآن> رسم> إن المراد بذلك: ستر العورة.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
وقد ورد عن أنس اسم> أنه قال: إنكم تبالغون في الدعاء ... ثم ذكر رسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا رفع يده إلى صدره رسم> أما في الاستسقاء فقد ورد رسم> أنه يرفع يديه حتى يبدو بياض إبطيه متن_ح> رسم> .
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
قال بعضهم: إن تحريك الإصبع فيه دلالة على حضور القلب.
وقال بعضهم: إن في ذلك توحيدًا، أو إشارة إلى أن الله فوقهم.
وقال بعضهم: إن في ذلك اعتقادًا بقرب الإجابة.
فائـدة:
أحاديث رفع اليدين في الدعاء جمعها السيوطي اسم> ومجموعها 42، وجمعها قبله المنذري اسم>
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-
واشتهر أن خطباء بني أمية كانوا يخطبون جُلُوسًا، وسبب ذلك ما ورد أن عثمان اسم> -رضي الله عنه- خطب جالسا، ولكن لعثمان اسم> -رضي الله عنه- عذر، وهو كِبَر سنه. وربما أن ذلك ليس معتادًا من عثمان اسم> فربما كان يجلس فترة وكان يقوم أخرى.
وفعل بني أمية هذا ليس حجة، وخطَّأه كثير من العلماء، لكن لو عارض فاضطر الخطيب إلى الجلوس وأتم خطبته جالسا، فلا مانع من ذلك، والقيام هو السنة الواجبة.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وبعضهم قال: إنه كان يخطب بسيف؛ إشارة إلى أن الإسلام ظهر بهذا. وخطَّأهم آخرون فقالوا: ليس هذا هو المراد، ولعله لطول القيام.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
والحكمة -والله أعلم- أن التقصير أدعى إلى فهم الخطبة ووعيها، أما إطالتها فذلك أدعى إلى الملل، والمقصود بقِصَر الخطبة التقصير النسبي، ويدل لذلك أنه أمر بتخفيف الصلاة، ولا يلزم التخفيف المُخِلّ، فقد روى النسائي اسم> عن أنس اسم> -رضي الله عنه- قال: رسم> إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات متن_ح> رسم> فيمكن أن الخطبة القصيرة نصف ساعة، والطويلة ساعة أو أكثر.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
مئنة: أي علامة.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
الحرام: ما يعاقب على فعله تهاونًا، ويثاب على تركه احتسابًا.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وإذا رأيت أناسا يتكلمون فتشير إليهم دون كلام.
فائـدة:
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
وقد سئل بعض مشايخنا عن بعض من يدخل ويتنفل أثناء الخطبة، ثم يسلم على من بجانبه؟
قال شيخنا عبد الله : فأجاب أنه يصافح بدون كلام من التحية أو شبهها.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
والراجح -والله أعلم- أنه لا يتكلم في أثناء الدعاء؛ لأنه -أي الدعاء- من الخطبة، لكن له أن يؤمن على الدعاء، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
هذا إذا كان الجامعان قد بُنِيَا سَوِيًّا، أما إذا كان أحد الجامعين قد بُنِيَ قبل الآخر، فالحكم للجامع الأول.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
هذا جواب لمن قال: متى تُدْرَك الجمعة رأس> ؟
وقال أبو إسحاق بن شاقلا اسم> ينوي جمعة؛ لئلا تخالف نيته نية إمامه ...
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
وهذا من تشدد الفقهاء في مسألة النية.
قال شيخنا -حفظه الله آمين-
واعتمدوا على عدم ذكر النافلة قبلها لعدم النقل.
لكن قد ورد: رسم> إذا اغتسل العبد ثم أتى المسجد فصلى ما كتب له ... متن_ح> رسم> إلخ كما في الصحيح.
فدل قوله: رسم> ما كتب له ... متن_ح> رسم> على شرعية السنة قبلها.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى آمين-
والسنة أن يقرأ السورتين جميعًا. فمن قرأ سورة واحدة في الركعتين، فلم يُصب السنة.
فائـدة:
قال شيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين -حفظه الله آمين- الراجح عند العلماء أن ساعة الاستجابة يوم الجمعة هي رأس> ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، أي وقت أداء الصلاة، ولو زاد على الساعة الزمنية أو نقص. وقيل: إنه آخر ساعة من يوم الجمعة.