إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
محاضرة بعنوان من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
15854 مشاهدة print word pdf
line-top
شغل الأوقات بالعناية بالقرآن

وصية ثالثة: قد تدخل أيضا في الوصية الأولى التي هي شغل الوقت، فإذا قال المسلم: كيف أشغل وقتي؟ عندي أوقات فراغ، وهذا الفراغ لا بد أنني أقضيه في شيء أتسلى به؛ عندي وقت طويل، إذا جعلت مثلا له جزءا للراحة فأي شيء أقضي به وقتي؟ وهذا سؤال وارد.
كثيرا ما يقول بعض الشباب: عندنا وقت فراغ في أي شيء نشغله؟ وبأي شيء نقطع ليلنا ونقطع نهارنا؟ فنرى كثيرا منهم إذا أصبحوا ليس لهم حاجة إلا المشي والتردد في الأسواق وفي الطرق ركبانا أو مشاة، يقولون: ليس لنا حاجة، فكيف ننحجر في بيوتنا؟! ونرى آخرين منهم يذهب بعضهم إلى بعض ثم يضيعون أيضا وقتا طويلا في القيل والقال، وفي عمارة المجالس بما لا فائدة فيه، ويقولون: نقطع بذلك وقت الفراغ.
ونرى آخرين منهم يكثر منهم الانشغال باللعب، فإما أن يجلس أمام الشاشات، وينظر فيما يعرض فيها مما لا فائدة فيه، أو مما فيه مضرة على العقائد وعلى الفطر وعلى الأوقات وعلى الأعمال، ليس لهم حاجة إلا أنهم يجلسون مقابلين هذه الشاشات وقتا طويلا، نرى أنهم لا يستفيدون شيئا أو بل يتضررون بسماع الغناء، أو بالنظر إلى الصور الملهية وما أشبهها، وأقل شيء يخسرونه وقت طويل يذهب عليهم دون أن ينشغلوا فيه بشيء من عبادة الله -عز وجل- فهؤلاء يعتبرون خاسرين.
ونرى كثيرا منهم يقولون: عندنا وقت فراغ فنشغله بهذا اللهو، فيجلسون حلقات ويلعبون بما يسمونه الكيرم أو البلوت أو لعب لا أهمية لها؛ يقضون فيها ساعات من ليلهم أو ساعات من نهارهم، ليس لهم شغل إلا هذا اللعب الذي يجلب لهم ضحكا، يجلب لهم قهقهة، يضيع عليهم وقت فيه ثمين؛ يدخل في لهو الحديث الذي قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وعاب الله تعالى الدنيا بقوله تعالى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وذكر تعالى عقوبة الكفار أهل النار بقوله: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا ؛ فهؤلاء اتخذوا دينهم يعني عبادتهم وأوقاتهم لهوا ولعبا.
وإذا عرفنا أن كل هؤلاء قد أضاعوا أوقاتهم فإننا ننصحهم ونقول لهم: نوصيكم بوصية تفيدكم، وهي أن تشغلوا أوقاتكم بشيء ينفعكم.
فأولا: نوصيكم بحفظ القرآن؛ الله تعالى أنزل هذا القرآن ليُتَفقَّه وليتدبَر، وجعله هدى وشفاء ويسره، قال الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي: يسرنا فهمه، يسرنا حفظه، يسرنا قراءته على من أقبل عليها، وعلى من اهتم بها، فقد وفق الله تعالى دولتنا -جزاهم الله خيرا- لأن نشروا هذا القرآن، فيطبع منه أو قد طبع من المصاحف ألوف الألوف أو ملايين الملايين، ونشرت في داخل المملكة وفي خارجها، وتيسر الحصول على المصاحف بسهولة، وقد كنا قبل ستين سنة أو نحوها لا نجد إلا مصاحف ممزقة في قليل من المساجد، والكثير لا يجدونها.
فنقول: إن عليكم أن تهتموا بالقرآن، فتشغلوا به أوقاتكم، ثم عليكم أيضا أن تحفظوا ما تيسر منه، ففي أوقات الفراغ اجعلوا وقت فراغكم لحفظ القرآن، فإنه متى حفظه المسلم أصبح دليلا له إلى الخيرات، وأصبح بيانا؛ قد وصفه الله تعالى بذلك، قال تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ وصفه بهذا كله، ووصفه بالشفاء: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ هذه أوصاف كلام الله تعالى، ولكن لا تحصل هذه الأوصاف ولا تحصل هذه الأمور إلا لمن اهتم بالقرآن، وجعله أو جعل وقته منشغلا به، إن كان حافظا فإنه يردده ويكرره؛ فيثيبه الله تعالى على حفظه، وإن كان غير حافظ فإن عليه أن يجتهد في حفظه أو بما تيسر منه.
كذلك أيضا أمر الله تعالى بتدبره، قال تعالى: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ وقد وفق الله تعالى العلماء في هذه الأمة لأن اهتموا ببيان القرآن، وتفسيره وتوضيح معانيه، وإظهار دلالاته؛ حتى أصبحت معانيه واضحة لا تخفى على طالب العلم وعلى طالب الفهم؛ فنوصيكم بقراءة القرآن، ثم بقراءة التفاسير، وبقراءة وبتعلم معاني القرآن حتى تعرفوا كيف يُستدل بها، وتعرفوا كيف يُعمل بها، وتكونوا من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى وخاصته.

line-bottom