محاضرة في أحكام التصوير
الأدلة على حرمة التصوير وبيان علة النهي
نقول بعد ذلك: لا شك أن التصوير وردت فيه أحاديث كثيرة تدل على تحريم التصوير من حيث هو. وبوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> -رحمه الله- في كتاب التوحيد: باب ما جاء في المصورين، وأورد فيه أحاديث منها: الحديث القدسي الصحيح: يقول الله تعالى: رسم> ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي. فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا برة، أو ليخلقوا شعيرة متن_ح> رسم> .
يعني أن الذين يصورون كأنهم يريدون أن يصوروا مثل خلق الله، وأن يزاحموا الله تعالى في خلقه؛ فيصورون صور الحيوانات التي خلقها الله تعالى؛ فجعل الله ذلك ظلما؛ أي لا أظلم من إنسان يزاحم الله في خلقه، فيريد أن يخلق مثل خلق الله مع عجزه.
وكذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله متن_ح> رسم> ؛ يعني الذين يقحمون أنفسهم في أن يضاهئون خلق الله؛ يعني يشابهون خلق الله؛ يشبهون أنفسهم بالله تعالى فيخلقون مثل خلقه. الله تعالى هو الخالق وحده رسم> اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ قرآن> رسم> لا خالق غيره؛ فهو الذي يخلق، وهو الذي يدبر.
وهؤلاء -وإن نحتوا هذه الصور وصوروها على هذه الهياكل- فإن تصويرهم لا يرفع مقامهم، بل يحطهم إلى منزلة أنهم زاحموا الله تعالى في خلقه وفي تصرفه؛ فلذلك قال: رسم> ومن أظلم ممن يخلق كخلقي متن_ح> رسم> رسم> أشد الناس عذابا الذين يضاهئون بخلق الله تعالى متن_ح> رسم> .
وورد أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة؛ يقال لهم: أحيوا ما خلقتم متن_ح> رسم> ؛ يعني: هذه الصور التي نحتموها أحيوها، وهل يقدرون؟! لا يقدرون.
وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم- رسم> من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ متن_ح> رسم> ؛ أي يكلف، ويقال له: إما أن تنفخ فيها الروح حتى تكون حية بدل ما كانت جسدا أو هيكلا، وإما أن تعذب. إذا .. هل يقدر أن يحييها؟! هل يقدر أن ينفخ فيها الروح؟!
الله تعالى هو الذي يخلق الأرواح، وهو الذي يدبرها، ولا يقدر أحد معه أن يخلق هذه الروح. الروح التي تحصل بها الحياة، ويحصل بمفارقتها الموت؛ لا يخلقها إلا الله تعالى؛ كما ذلك مشاهد.
يعني قول الله تعالى لما ذكر خروج الروح يقول الله تعالى: رسم> تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ قرآن> رسم> ؛ يعني لا تقدرون على أن ترجعوا الروح، تخرج وأنتم حاضرون، ولا تقدرون على ردها. فهكذا هؤلاء الذين ينحتون هذه الصور.
ومن ذلك أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في نار جهنم متن_ح> رسم> كل صورة صورها.
فهذه الأحاديث وأشباهها يقول: حملها كثير من العلماء على الصور المنحوتة، التي لها ظل؛ الصور التي هي مجسمة، والتي يكون لها ظل، وهي التي كانوا ينحتونها من حجارة، أو من خشب، أو من طين، أو ما أشبه ذلك. وكذلك من الأشياء الجديدة كالتي تصور من ربل أو ما أشبه ذلك؛ فإنها كلها داخلة في هذا الوعيد، والذين يصورونها يمكن أن يدخلوا في هذا الوعيد.
قد يقول قائل: إنهم لم يقصدوا مضاهاة خلق الله. فالصحيح أنهم يعذبون بها، وإن لم يقولوا: إننا نخلق كخلق الله، أو إننا نضاهي خلق الله؛ وذلك لظاهر هذه الأدلة؛ أنها مضاهاة لخلق الله تعالى شاءوا أم أبوا.
فكل ذلك دليل على أنهم يدخلون في هذا الوعيد، يعذبون ولو قالوا: إنها لم تعبد، إننا ما صورناها لتعبد. فالجواب: أنكم صورتموها على مثل ما خلق الله تعالى؛ فكنتم بذلك مضاهئين لخلق الله مع العجز الحسي والمعنوي عن أن تفعلوا كفعل الله، أو تقدروا على مضاهاة خلق الله تعالى؛ فلا يمكن لأحد أن يخلق كخلق الله.
ولذلك لما ذكر الله تعالى بعض مخلوقاته قال: رسم> هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قرآن> رسم> ؛ يعني ماذا خلقوا من الخلق الظاهر الذي له هذه الحياة، وتحداهم بقوله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ قرآن> رسم> .
يعني: لا يقدرون على أن يخلقوا ذبابا -مع أنه من أحقر المخلوقات- يركبون مفاصله، ويركبون أجنحته، ويركبون أعضاءه، وينفخون فيها الروح حتى يطير حيا كالطير الذي خلقه الله كهذا الذباب، بل لا يخلقون ذرة ولا بعوضة. الذرة أصغر -أو من أصغر- المخلوقات بما فيها سمعها وبصرها، وحركاتها ومفاصلها، ويداها وأرجلها وأجنحتها إذا طارت.
هذه أيضا، يقول في الحديث: رسم> فليخلقوا ذرة متن_ح> رسم> لا يقدرون على أن يخلقوا ذرة؛ يعني يركبون أعضاءها، ثم ينفخون فيها الروح، ثم تسير وتحيا وتتوالد، وتأكل وتخرج الأكل وتصرف الأكل؛ لا يقدرون على ذلك؛ لأن هذا خلق الله تعالى وحده.
وكذلك لا يقدرون على أن يخلقوا برة -حبة بر- أو حبة شعير كالحبة الطبيعية؛ بحيث أنها تكون مثل البر في طعمها، وأنها تبذر، وأنها تنبت، وأنها يكون فيها سنبل إذا بذرت؛ لا يقدرون على ذلك، بل هذا خاص بخلق الله تعالى؛ هذا هو التحدي لهم في قوله: رسم> فليخلقوا متن_ح> رسم> ؛ أي لا يقدرون على ذلك.
وأما قوله تعالى: رسم> خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ قرآن> رسم> فأخبر تعالى بأنهم رسم> خَلَقُوا كَخَلْقِهِ قرآن> رسم> ؛ يعني صورا، يعني هذه الصور التي يذكرونها. فلما ذكر الله تعالى أصنامهم، وأنهم لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، وأنهم رسم> خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قرآن> رسم> ؛ فأخبر بأن خلقهم إنما هو هذه الهياكل وهذه الصور؛ فلذلك لا يغتر بمثل هذه الأقوال: أنهم يستطيعون أن يخلقوا كذا وكذا.
وأما ما وصلوا إليه من هذه الصناعات وما أشبهها؛ فإنها صناعات يدوية مع أنها ليس لها حركة بنفسها، بل هي جماد. الطائرات والسيارات وما أشبهها هي جماد لا تتحرك إلا إذا حُركت، وإذا عمل فيها. أما إذا وقفت فإنها جماد ليس لها حركة، فليس لها أرواح تحركها بنفسها، فلا تدخل في خلق الله تعالى.
وبكل حال.. فإن التصوير الذي ورد هذا الحديث الذم فيه هو من خاص خلق الله تعالى الذين يصورون مثل خلق الله، ينحتون صورا ويجعلونها مشابهة لخلق الله، نقول: إن هذا مما حرمه الله، وإن هذا مما ورد فيه هذا الوعيد الشديد.
مسألة>