القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
محاضرة في الزلفى مع شرح لأبواب من كتاب الجنائز في صحيح البخاري
7164 مشاهدة
التكفين في ثوبين

باب الكفن في ثوبين. حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال- فأوقصته، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .


في هذه واقعة في عرفات لما وقفوا في عرفات وقفوا على رواحلهم وطال وقوفهم؛ سقط رجل وهو محرم من بعيره، ولما سقط سقط على رأسه فمات، ولما مات سألوا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرشدهم إلى كيفية تجهيزه.
كان محرما وعليه ثوبان؛ ثوب على ظهره وهو الرداء وثوب على عورته وهو الإزار، فقال صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر يعني: فقط بماء وسدر لأن السدر ينظف ولو كان محرما؛ يغسل رأسه ويغسل جسده ويغسل وينظف بالماء والسدر. وكفنوه في ثوبيه أي في ثيابه التي أحرم بها.
ولا تخمروا رأسه أي: لا يغطى رأسه عند الكفن، بل يُدخل ويوضع في اللحد ورأسه مكشوف؛ وذلك لأنه محرم باق على إحرامه، فيوضع في قبره ورأسه مكشوف، والأكفان توضع على بدنه أي يستر عنقه ومنكباه وصدره وبطنه وظهره ورجلاه ويداه؛ يستر الجميع بهذين الكفنين -الإزار والرداء-.
ونهاهم عن التحنيط؛ أي الطيب الذي يحنط به الميت لا تحنطوه أي: لا تجعلوا فيه طيبا؛ وذلك لأنه باق على إحرامه، والمحرم منهي عن الطيب، وإنما الطيب الذي هو الحنوط يجعل لغير المحرم، إذا مات الميت فبعدما يغسل يجعل من ذلك الحنوط على جسده، فيجعل منه في أذنيه وفي عينيه وفي منخريه وفي...
كذلك في رقبته وفي إبطيه وفي منافذ جسده، وبين أليتيه وبطون ركبتيه، وإن طيب كله فحسن؛ ولعل السبب في ذلك أن لا يسرع إليه الفساد، وأن لا يخرج منه ريح -الريح الذي يخرج من الميت أو من كل ميت-.
ولعل ذلك أيضا إكرام للمسلم أن يزود بهذا الطيب الذي هو الحنوط.
يشرع أن يكون هذا الحنوط من الورس ومن الريحان ومن الأنواع من الطيب التي لها عطر وريح طيب، وبعد فضها تداس إلى أن تكون كالطحين، ثم تعبأ في زجاجة، ثم يؤخذ منها ويجعل على منافذه قبل أن يكفن. ثم بعد ذلك يتم تكفينه.
أما المحرم فإنه باق على إحرامه؛ يجعل له هذان الكفنان اللذان هما إزاره ورداؤه كلفافتين يبسطان ثم يوضع عليهم ثم ترد إحداهما على الأخرى، ثم تعقد بالعقد ورأسه يبقى مكشوفا ولا يجعل عليه شيء من الطيب؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا، يبعث محرما؛ يعني: أخبر بأنه إذا بعث يبعث وهو يقول: لبيك لبيك؛ أي باق على إحرامه؛ وذلك لأنها عبادة فاضلة فبقي أثرها عليه في حياته وعند موته وعند بعثه. نعم.