من جملة الرسل إبراهيم -عليه السلام- فإنه ظهر وقومه يعبدون آلهة من دون اللَّه يعبدونها مع اللَّه فأنكر عليهم سألهم وقال: مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ أتقصدون وتجعلون مع اللَّه آلهة إفكا وكذبا ، وسألهم في أية أخرى مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا اعترفوا بأنها أصنام فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ أي نمكث طوال النهار عاكفين لها مقيمين حولها معظمين لها فسألهم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ اعترفوا بأنها لا تنفع ولا تضر ولا تسمعهم ولا تجيبهم وإنما هي جماد ، في آية أخرى أنه قال: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ وجدنا آباءنا يعبدونها وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ هكذا اعترفوا أنهم متبعين آباءهم لها قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ .
فالعبادة معناها التذلل لها ، لا شك أن هذه يسمونها آلهة ومعبودات ، ثم ذكر اللَّه تعالى أن إبراهيم نصح والده وقال: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا لم تعبد كيف تعبد هذه الأخشاب وهذه الأحجار التي لا تسمعك ولا تجيبك ولا تغني عنك شيئا ، نصح آباه قال: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا أوحى اللَّه تعالى إليه بهذا الدين وأمره بأن يدعوا إليه ولكن لم يقبلوا منه .
ثم إنه لما رأى إقبالهم على عبادة تلك الأخشاب التزم بأن يكسرها ، فقال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ثم إنه راغ إلى آلهتهم وهي مصفوفة وعندها الطعام ، فقال مستهترا بها أَلَا تَأْكُلُونَ لماذا لا تأكلون من هذه الأطعمة ألا تأكلون منها مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فأخذ يكسرها بفأس ويحطمها إلا أنه ترك أكبرها وعلق الفأس فيه ، فلما جاءوا وإذا هي مكسرة جعلهم جذاذا فقالوا من الذي فعل هذا بآلهتنا عرفوا أن إبراهيم -عليه السلام- قد هددهم بقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فعرفوا أنه هو الذي حطم تلك الأصنام فعند ذلك استدعوه أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ فقال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا هذا الذي هو أكبرهم غار عليه وقال كيف يجعل معي من هذه الصغار فكسرها فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ .
فالحاصل أن هذا دليل على أن الشيطان قد لعب بهم حيث صدهم عن عبادة اللَّه تعالى وأمرهم بأن يعبدوا تلك الأصنام وما أشبهها وتلك الصور وتلك التماثيل مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ فهذه دعوتهم كلهم دعوا إلى إخلاص الدين لِلَّه تعالى وإلى توحيده وإلى عبادته .