إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
محاضرة في جامع حطين
6205 مشاهدة
دعوة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم

خاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الذي بدأ بهذه الدعوة أي بالدعوة إلى التوحيد ، وذلك لأنه خرج في قومه وقد غيروا دين اللَّه تعالى الذي هو دين إبراهيم ودين إسماعيل مع أنهم يعترفون بأن اللَّه تعالى ربهم وخالقهم ، ومع أنهم إذا كانوا في الضيق وفي شدة أخلصوا الدين لِلَّه تعالى وعبدوه وحده .
ومع أنهم كانوا يحجون ويعتمرون ويذكرون اللَّه كثيرا وكان لهم أخلاق سامية رفيعة ، فكانوا يحمون الجار ويكرمون الضيف ويحملون الكل ويُكسبون المعدوم يتنافسون في الكرم وفي الشجاعة يحمون نساءهم وذراريهم يأنفون عن الفواحش يحمون أنفسهم عن فعل المحرمات ، ولكن مع ذلك يعبدون آلهة غير اللَّه تعالى ، يعبدون اللَّه ويعبدون معه آلهة غيره، فجاءهم بالتوحيد ومكث يدعوهم إلى قول لا إله إلا اللَّه عشر سنين يدعوهم إلى التوحيد، لم يبدأ بدعوة غير التوحيد يأمرهم بأن يقولوا لا إله إلا الله ويكرر ذلك عليهم، وذلك لأنهم يسمون تلك المعبودات آلهة فلذلك أنكروا عليه وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا لنا آلهة كثير نعبدهم ونصرف لهم عبادتنا فكيف نجعل العبادة لواحد .
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ثم قال تعالى عنهم: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ هكذا سموها آلهة وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ تلك الآلهة لا تنفعهم ولا تضرهم ، ولكن حملهم عليها التقليد واتباع الآباء والأجداد ، في زعمهم أنها تفيدهم وأنها ترزقهم وهم مع ذلك يشاهدون أنها مخلوقة ، وذلك لأنهم يعبدون أشجارا ، يأتون إلى شجرة ثم يعبدونها كشجرة العزى وقد تموت الشجرة فينتقلون إلى شجرة أخرى ، كذلك أيضا ينحتون أصناما من حجارة أو من خشب وقد تحترق أو تبلى أو تتكسر ثم ينتقلون فينحتون مثلها ، وكذلك أيضا يعبدون بقع يقولون هذه البقعة لها مكانة فيبقون في عبادتها مدة ثم بعد ذلك ينتقلون إلى بقعة أخرى هذه حالتهم .
ولا شك أن هذا من الجهل العميق بهم ، فإنهم يعرفون أنها مخلوقة وأنها منحوتة ، ولكن زين لهم الشيطان أنها تفيدهم وأنها تنفعهم ، فلذلك صاروا يتعلقون بها ويعبدونها ويسمون دعائها عبادة ويسمونها آلهة لأن قلوبهم تألهها ، بعث اللَّه -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بإخلاص الدين لِلَّه وبعبادته وحده وترك عبادة ما سواه ، ولذلك قال اللَّه في أول ما أمره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ هذه الآية أول ما أمروا به ، أو أول ما يمر بهم إذا قرءوا القرآن في سورة البقرة ، وهي سورة مدنية جعل اللَّه تعالى فيها هذا الأمر يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .
وقد وردت أيضا خطابات بالأمر بعبادة اللَّه أو بتقوى اللَّه مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ اتقوه يعني خافوه وذلك بعبادته وحده ومثل قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا أمرهم بتقوى اللَّه تعالى وتقواه هي مخافته وعبادته ، فهذه من دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ثم إن اللَّه تعالى أمره بأن يخلص عبادته لله ولا شك أن أمره يعتبر أمرا لأمته؛ حيث إنهم تبع له فعليهم أن يتبعوه ، فإذا قرأنا قول الله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ الأمر بقوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ إذا كان خطابا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه تتبعه فيه أمته .
وإذا كان خطابا لكل فرد من الأمة فإنهم مأمورون بهذه العبادة مأمورون بأن يعبدوا اللَّه مخلصين له الدين ، وكذلك قول اللَّه تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ثم قال بعدها: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ على وجه التحديد أي أن الدين الذي أمرني اللَّه تعالى به هو أن أعبد اللَّه مخلصا له ديني ، فإذا لم تعبدوه فإنكم خاسرون فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ هذا هو حقيقة الخسران .
لا شك أن هذا كله تأكيد لبيان دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأنها مثل دعوة الرسل قبله ، بمعنى أن الرسل كلهم دعوتهم جميعا إلى الإخلاص ، إلى إخلاص العبادة لِلَّه وحده وإلى ترك عبادة كل ما سواه ولذلك قال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ لو سألهم لنفوا وقالوا ما أرسلنا إلا بالإخلاص ، بعثنا اللَّه وأمرنا بأن نأمر الناس أن يخلصوا عبادتهم وطاعتهم لِلَّه وحده وألا يعبدوا إلها غيره بل تكون عبادتهم كلها لِلَّه وحده .
هذا هو الذي بعثت به الرسل ، فمن الناس من قبل واهتدى لما رأوا الآيات وذلك لأن اللَّه تعالى أيد رسله بالآيات والبراهين التي تدل على صدقهم، وأظهر على أيديهم المعجزات فكان في ذلك سببا في اهتداء من اهتدى منهم في أن هدى اللَّه تعالى من أراد به خيرا من الأمم ولهذا قال تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ من هداهم اللَّه هم الذين قبلوا دعوة الرسل .