(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
محاضرة في جامع حطين
8503 مشاهدة print word pdf
line-top
من جملة دعوة الرسل: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

نعرف أيضا أن من جملة دين الرسل ومن جملة دعوتهم: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين هذا من جملة ما دعوا إليه ولذلك قال اللَّه تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذا من جملة ما بعثوا به إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومن معبوداتكم كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ هذه حقيقة دعوة الرسل ، أنهم تبرءوا من آلهتهم ، من تلك الآلهة وتبرءوا من عابديها ولو كانوا أقارب لهم ولو كانوا إخوة لهم وآباء لهم إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من معبوداتكم كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا .
هكذا حكى اللَّه تعالى أنهم تبرءوا من معبوداتهم وتبرءوا من أهلها ، ولا شك أن هذا واجب على كل مؤمن أن يتبرأ من المشركين ويتبرأ من معبوداتهم ، ولو كان أولئك المشركون أقارب ، ولذلك قال اللَّه تعالى: لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ أي لا تتولوهم ولا تحبوهم ولا تصادقوهم وتؤاخوهم إذا كانوا يقدمون الكفر على الإيمان فإنكم بذلك لا تكونون صادقين في أنكم تحبون اللَّه ، فإن من أحب اللَّه تعالى تبرأ مما سواه من أحب اللَّه تعالى وعبده تبرأ ممن أشرك به وأبغض كل من أشرك به ولو كان أقرب قريب .
هذه سنة اللَّه التي أمر بها أنبياءه وأولياءه أن يتبرءوا من معبودات غيره وأن يتبرءوا من المشركين ولو كانوا أقارب لهم ، وجعل الله تعالى ذلك مما يقتدى به ، مما يقتدي به المؤمنون يعني أن عليكم أن تقتدوا بهم في ذلك يعني قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ فالأسوة القدوة أي هم قدوتكم اقتدوا بهم وقولوا لأقاربكم إذا كانوا مشركين وقولوا للمعبودات إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا .
وقد مدح اللَّه تعالى الذين يتبرءون من غير اللَّه ، ويتبرءون من المشركين في قوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا تجد المؤمنين حقا الذين آمنوا باللَّه ورسوله لا تجدهم يوادون المحادين للَّه ورسوله بل لا تجدهم إلا معادين أشد العداوة لمن حاد اللَّه تعالى ورسوله ، هكذا يكون أولياء اللَّه أنهم يعادون كل من أبغض اللَّه تعالى أو حاده أو شاقه حتى يعلموا بذلك أن ما هم عليه فإنه كفر وضلال ، هذه حقيقة دعوة الرسل وهي إخلاص التوحيد لِلَّه تعالى إخلاص التوحيد يعني ألا يعبد إلا اللَّه قال اللَّه تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ .
كَلِمَةٍ سَوَاءٍ يعني نستوي فيها نحن وأنتم أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي لا نعظم مخلوقا ولا نركن إلى أية مخلوق بل تكون عباداتنا كلها لِلَّه وحده ، ونتبرأ من كل من يعبد مع اللَّه تعالى ، هذا هو الذي دعا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فهذه دعوة الرسل .

line-bottom