الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
محاضرة في وادي ثرجوم
4485 مشاهدة print word pdf
line-top
العلم الضروري

يقسم العلم إلى قسمين: علم ضروري، وعلم مكتسب.
الضروري هو الذي يُضطر العقل إلى الإقرار به، ولا يستطيع أن ينكره لكون أدلته قطعية.
علم ضروري يقول: لا يحتاج إلى نظر ولا يحتاج إلى استدلال، بل يجزم به ويعتقده، علم ضروري، يقول: (كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس).
الإنسان فيه هذه الحواس الخمس، فإذا أحس بسمعه سمع كلاماً من فلان فإنه عَلِمَه، يقول: سمعت الكلام بأذني من فلان، فهذا يعتبر ضروريا؛ لأنه وصل إلى قلبه بواسطة السمع، فالسمع حاسة.
وكذلك البصر إذا رأى، رأيت فلاناً في هذه البلد، رأيته بعيني، فهذا علم ضروري، لو قال أحد: كذبت، قال: كيف تكذبني وقد أبصرته؟!
وكذلك حاسة الشم، إذا قال: إن هذه رائحة طيبة شممتها، شممتها بأنفي، وعرفت قوة رائحة هذا الطيب، أو قبح رائحة هذه الجيفة، فهذه حاسة من الحواس لا يمكن إنكار ما دلت عليه.
وكذلك حاسة الذوق لو أنه مثلاً ذاق ماء، فقال: ذقت هذا الماء ووجدته عذبا، أو وجدته ملحاً أجاجاً. فهذا لا يمكن أن أحداً يكذبه، لا يمكن أن يشك، وكذلك ذقت الطعام ووجدته سمجا أو وجدته مالحًا أو نحو ذلك.
وكذلك حاسة اللُمس، إذا لمسه بيده يقول: لمست هذا الشيء بيدي، فلا يمكن أن أشك فيه.
فالحواس الخمس دليل على القطع بالشيء وعلم ضروري.
كان بعض المبتدعة ينكرون الشيء الذي لم تدل عليه حاسة، لم تدركه حاسة.
ذكر الإمام أحمد أن جهم بن صفوان لقي طائفة يقال لهم: السُمنية، وكانوا ينكرون من العلوم ما لا يدرك بالحواس، فقالوا له: من تعبد؟ فقال: أعبد الله. فقالوا: هل رأيت ربك الله؟ قال: لا. قالوا: وهل سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: وهل شممته؟ وهل لمسته؟ وهل ذقته؟ قال: لا. قالوا: فإذن تعبد معدوما.
ففكر ثم قال لأحدهم: هل لك روح؟ قال: نعم. فقال: هل رأيته؟ هل سمعت كلامه؟ هل مسسته؟ هل شممته، أو ذقته؟ قال: لا. قال: فليس لك روح أو ليس لك عقل.
فعند ذلك أدرك أن هناك ما يؤمن به الإنسان وإن لم يره وهو وجود الله تعالى لقيام الأدلة عليه، فهؤلاء السُمنية لا يؤمنون إلا بما أدركه أحدهم بإحدى الحواس.
وهناك طائفة أيضا قد ينكرون الحواس، ينكرون ما أدركوه، فيرى أحدهم إنسانا ويقول: يمكن أن يكون هذا إنسانا ويمكن أن يكون بهيمة، لا أدري، بصري ليس بحقيقي.
يسمع الكلام ويقول: يمكن أن يكون هذا كلاماً عربيا ويمكن أن يكون صوت قط أو نباح كلب، فمثل هؤلاء المشككة ينكرون حتى ما أدركوه بإحدى الحواس، فلا يقنعون بشيء.
يقول بعض العلماء: إذا لم يقنعوا فإننا نضربهم، ونقول: هل هذا ألم؟ هل هذا ضرب؟
لأنهم قد ينكرون أن يكون هذا ضرباً، فلا يقتنعون إلا بالإكراه.
فالحاصل أن العلم الضروري الذي لا يتطرق إليه شك هو ما أدرك بإحدى الحواس الخمس، أو بالتواتر الذي هو نقل عام لا يمكن أن يتوقف فيه.
المتواتر: هو الذي ينقله جمع كثير تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب، ينقلونه عن مثلهم من مبتداه إلى منتهاه، ويكون منتهى إدراكهم الحس. بالحواس الخمس ليس العقل؛ ولهذا لن نصدق الفلاسفة في قولهم: إن العالم قديم. مع كثرتهم؛ لأن منتهى قولهم الظن أو العقل.

line-bottom