شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
محاضرة واجب المسلم نحو أسرته
6160 مشاهدة print word pdf
line-top
تربية الأبناء وتلقينهم أمور الدين

نبدأ بالقسم الثاني -وهو الأهم- وهو واجب الرجل نحو أسرته في الأمور الدينية، فنقول:
إن هناك من وفقهم الله –تعالى- وقاموا بإصلاح ذريتهم، وهناك من أهملوا ذريتهم وأسرتهم، وهناك من سعوا في إفساد ذرياتهم وأسرهم. فيكون عندنا ثلاثة أقسام:
القسم الذين أصلحوا أسرهم.
والقسم الذين أهملوهم، ووكلوا تربيتهم إلى غيرهم، ويغلب عليهم الفساد.
والقسم الذين أفسدوهم –أي- جلبوا لهم ما يفسدهم.
فأما القسم الأول: وهو الذين أصلحوهم، فنذكر شيئا من الكيفية التي صاروا بها مصلحين؛ لعل هذه الصفة تكون قدوة، ويكون لكل مسلم أسوة بهؤلاء.
كان الأولون يلقنون أولادهم العقيدة وهم أطفال، الطفل إذا كان في الثالثة من عمره، وصار يتكلم لقنه آباؤه، لقنوهم العقيدة، فيسأله، ثم يلقنه: يا ابني، أو يا ابنتي من ربك؟
قل: ربي الله. ثم يقول: لأي شيء خلقك الله؟ قل: لعبادته. أو ما أول شيء فرضه الله عليك؟ قل: توحيده وطاعته، أو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله. بأي شيء عرفت ربك؟ ونحو هذه. ما دينك؟ من نبيك؟ وما أشبه ذلك.
هذه إذا تلقنها العبد، تلقنها الطفل في صغره؛ فإنه ينشأ نشأة صالحة، يعترف بأن له رب خالق رازق، يعترف بأن الله –تعالى- هو الذي خلقه، وهو الذي رزقه، وهو الذي فرض عليه هذه الفرائض، وكلما كبر في السنة الرابعة، في السنة الخامسة يكررون ذلك عليه، ويكررون عليه شرحها، ويضربون له الأمثال عليها، فيقولون –مثلا- من عبادة الله كذا وكذا، ومن طاعته كذا وكذا، ومما حرم علينا كذا وكذا، حرم علينا كذا، وحرم علينا كذا؛ وبذلك يتلقن الطفل في هذه السن المبكرة هذه العقيدة، وترسخ في ذاكرته وفي قلبه، ولا يمكن أن تتغير.
ثم بعد ذلك في السنة السادسة أو السابعة يلتحق الولد -ذكرا أو أنثى- بالمدارس التي تدرسه بالفعل، المدرسون يعلمونه، يعلمونه بالقول، فيلقنونه، يلقنونه هذه الأعمال، ويلقنونه هذه العقائد، ويعلمونه دينه وعباداته؛ ولكن هذا التلقين، وهذا التعليم قد لا يتصوره؛ لأن الطفل الصغير يخفى عليه الكثير من الكلمات التي يتلقاها من المعلمين، ونحوهم، فلا بد أن أهله يقومون بتلقينه، ويقومون بتعليمه بالفعل، فإذا قال: يا ولدي، كم أركان الإسلام؟ سردها الولد؛ ولو كان عمره ست أو سبع سنين، فإذا قال: وإقام الصلاة ما كيفية إقامتها؟ هذه الصلاة، وهذا كيفية إقامتها، أي ثم إذا قال –مثلا- كم شروط الصلاة؟ سردها –أي- تسعة، هذه كيفيتها، من جملتها: رفع الحدث، من جملتها: الطهارة. هذه كيفية الطهارة يا ولدي، تطهر أي توضأ، هذا كيفية الوضوء.
فإذا علم ذلك فإنه بعد ذلك يعلمه بالفعل أركان الصلاة وواجباتها، فيأتي به إلى المسجد، فيقول: هذه أركان الصلاة، هذا هو القيام، وهذه قراءة الفاتحة في هذا، وهذه تكبيرة الإحرام، وهذا كيفية الركوع، وكيفية السجود، وما أشبه ذلك، يدربه على ذلك في صغره.
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتربية الأطفال على العبادة، ومن جملتها: الصلاة، وقال -كما تعرفون- يقول: مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع هكذا أمر بتعليمهم الصلاة في سبع سنين؛ مع أنها ما وجبت عليهم؛ لأنه أقل ما يبلغ إذا كان ابن عشر سنين، فمعنى ذلك أنه إذا بلغ عشر سنين أمر بها، وضرب، وأدب. وأما قبل ذلك فإن تعليمه للتأديب، وكذلك للتحبيب، وكذلك للتدريب؛ حتى يحبها، وهكذا. فهذا من جملة ما يربي به الوالد ولده.
كذلك أيضا من جملة ذلك: تعليمه القرآن. قد يقول: إن المدرسين يقرءونه، ويعلمونه في المدرسة. فنقول: صحيح أنه قد يقرأ، وقد يكتب؛ ولكن إذا خرج من المدرسة فإنه يغفل فيحتاج إلى أن والده يتابعه، فيقول: يا ولدي، كم حفظت؟ وما مقدار ما تحفظ من السور؟ وأعرض علي سورة كذا وكذا. ثم يناقشه –أيضا- ما معنى هذه الآية؟ وماذا تدل عليه؟ ثم يحرره - أيضا- على الحفظ، ويحثه على أن ينتظم في حلقات تحفيظ القرآن إذا كان هناك حوله حلقات فيها تحفيظ القرآن، الطلاب الذين يقرءون فيها ويحفظون، ويحثه على ذلك ويتابعه ويشجعه؛ فذلك من أسباب صلاحه.
وكذلك أيضا من أسباب صلاحه: تأديبه، تعليمه آداب الإسلام، تعليمه -مثلا- إذا جاء من هو أكبر منه أن يحترم الكبير، وأن يبدأ بالسلام، وأن يحترم أبويه، وأعمامه، ونحوهم مما له حق عليه، ثم يدربه على محبتهم، وعلى تقبيل رءوسهم، وعلى المصافحة، وعلى التحية، كيف تبدأهم بالتحية، بالسلام؟ وبالسؤال كيف أصبحت؟ أو صبحت بخير، أو ما أشبه ذلك.
وهكذا أيضا يكره إليه المحرمات؛ حتى ينفر منها، ويحذره،.. فيقول: يا بني، لا تسمع الأغاني؛ فإنها فتنة محرمة، ولا تحضر أماكن اللهو واللعب، ولا تحضر أماكن الزمر والمزامير، وآلات الطرب ونحوها، اعتضْ عنها بسماع القرآن والذكر، والخير، والعلم -العلم النافع- وما أشبه ذلك.
وهكذا أيضا ينفره من الأشياء الضارة التي تعاطيها يوقعه في الهلكة، أشد ذلك: شرب الدخان؛ فإنه إذا ابتلي به الأطفال فسدوا بمرة، وكرهوا الخير وأهله، فيحذرهم.
وهكذا أيضا يحث أولاده على الخير، وعلى مجالسة الصالحين، ويتفقد جلساءهم، من جلساؤك يا ولدي؟ فإذا ذكر لهم أولادا صالحين شجعوهم، وشجعوه وقالوا: لازم هؤلاء الذين يعلمونك ما تجهل، ويذكرونك إذا نسيت، ويشجعونك على الخير، ويحثونك على العلم، ويحثونك على العمل.
وهكذا أيضا يحذرهم عن جلساء السوء، ويبين لهم أن جلساء السوء سبب في الانحراف، وسبب في الفساد.
فلعله بذلك ينشأ صالحا، ويكون قرة عين؛ فإن الأباء الصالحين يدعون الله، ذكر الله –تعالى- من دعائهم قولهم: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أي: ما تقر به أعيننا، إذا رأيناهم صالحين قرت أعيننا، وفرحنا بذلك، وسررنا بذلك؛ لأنهم إذا كانوا صالحين نفعونا في الحياة، ونفعونا بعد الممات، فيعرفون حق الوالدين، ويطيعونهم، يطيعونهم في غير معصية الله، ويخدمون آبائهم، ويتافنون في خدمتهم، ويعرفون ما لهم وما عليهم، ويمتثلون ما أمرهم الله –تعالى- به في قوله تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ يقرأ هذه الآيات، ويعرف أنها يجب عليه أن يطبقها في حق أبويه ونحوهم، فهذا ما يجب عليه.
كذلك أيضا لا شك أنه إذا صلح نفعه بعد موته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له خص الولد الصالح؛ وذلك لأنه إذا كان فاسدا فإنه لا يهمه، ولا يهتم بأمر أبويه لا في حياتهما ولا بعد موتهما؛ إلا نادرا. فهذا من أسباب صلاح الذرية.
ذكرنا أن الناس بالنسبة إلى تربية الذرية، وأهل البيت ثلاثة أقسام، انتهينا من القسم الأول، وهو أحسنها، ونرجو أن يكون إخوتنا الحاضرون من هذا القسم الذين يحفظون أنفسهم، وأهليهم، ويحرصون على وقايتهم؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ يعني: أنقذوهم، أنقذوهم من هذه النار؛ وذلك بأن تركزوا العقيدة في قلوبهم، وترغبوهم في الخير والاستكثار من الحسنات.
وكذلك أيضا تحذرونهم من المحرمات التي تكون سببا في وقوعهم في عذاب الله تعالى، يشعر أحدهم بأنه عليه مسئولية كبيرة، يتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم على أهل بيته، على نسائه، وعلى ذريته، وعلى أولاده، ونحوهم.
بالنسبة إلى نسائه الذي يريد إصلاحهم فإنه -أيضا- يحافظ عليهم، فيحفظ نساءه عما يفسدهن، فيعلمهن التعفف، ويعلمهن التكفف، وكذلك أيضا يصونهن، فلا يتصل بهن ذو فساد، ولا يخرجن إلى أماكن شر وفساد، ولا يختلطن بنساء فاسدات، ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، ولا يسمعهن غناء أو طربا، ويحميهن عن مثل ذلك. فهذا من أسباب استقامتهن، وحفظهن لأنفسهن.
القسم الثاني: هم أهل الإهمال. الذين إما أنهم فاسدون في أنفسهم، وإما أنهم صالحون؛ ولكن مهملون ومضيعون.
يحدث هذا كثيرا؛ حيث إن أحدهم منشغل بدنياه، منشغل بأعماله الدنيويه، فتراه يقوم في صباحه، يقوم في الصباح الباكر، ثم يتوجه إلى عمله، يتوجه إلى حرفته أو إلى وظيفته، ويبقى فيها إلى أن يخرج منها مرهقا -مثلا- في وسط النهار، أو في آخر النهار، ثم يريح نفسه ينام، ولا يهمه أمر أولاده، ولا أمر نسائه، ثم بعد ذلك في أول الليل يذهب مع أصدقائه، يبيت معهم، قد يكون على خير، وقد يكون على غيره، فيقطع نصف الليل، أو ثلث الليل، أو ثلثيه، ولا يأتي إلا في وسط الليل، ولا يسأل عن أهله، ولا عن ذريته، ولا عن نسائه. لا شك أنه إذا أهملهم فقد يتولاهم غيره، فإن كان هناك من يصلحهم تعاهدهم وصلحوا، وإن كان هناك من يفسدهم انحرفوا وفسدوا، إذا وفق الله تعالى ..
.. وكانت تقية نقية عارفة بالخير، ربت أولادها، فصارت ترسلهم إلى المساجد، وتكلفهم بالعمل الصالح، فتربيهم على الطهارة والنزاهة والنظافة، وتؤدبهم -أيضا- على الكلام، وتحذرهم من الكلام السيئ، ونحو ذلك.
وكذلك قد يكون لهم قريب كأخ صالح كبير يتولى إصلاحهم؛ حيث إن والدهم منشغل عنهم، أو يكون لهم عم أو خال أو جد يكون صالحا؛ فيحرص على إصلاحهم فيصلحون بإذن الله –تعالى- وأبوهم لا يهمه –أي- لا يهمه صلاحهم، ولا يهمه انحرافهم؛ لأنه منشغل بنفسه، وقد يحب صلاحهم؛ ولكن يتعذر. ننصح كثيرا، ونقول: لا تهمل أولادك. فيقول: أنا منشغل، أنا عملي لا يسمح لي، أنا أذهب مبكرا، وأشتغل بهذا العمل الذي أتكسب منه، وأحصل منه على قوتي، وقوت أولادي، فكيف أتفرغ لأولادي ولتعليمهم؟!
نقول: إنك لست بمعذور، فلا بد أن تجعل لهم جلسة تجلسها معهم –مثلا- في يوم الجمعة الذي لا يكون عندك فيه عمل، أو في الصباح، أو في المساء، أو في وقت؛ ولو ساعة كل يوم تتفقد أولادك، وتلقنهم، وتعلهم.
والغالب أن الذين يهملون أسرهم لا يصلح أولئك الأسر؛ بل يفسدون؛ وذلك لكثرة المغريات؛ ولكثرة آلات الفساد؛ ولكثرة دعاة السوء؛ فلذلك يغفل عنهم ولا ينتبه؛ إلا وقد فسدوا، فيندم حين لا ينفع الندم.
فمثل هؤلاء علينا أن ننبههم عن الخطر الذي يقع فيه ذرياتهم.
وأما القسم الثالث: فهم الذين يسعون في إفساد ذرياتهم وهم لا يشعرون؛ وذلك لأن الجهلة، الأولاد والنساء جهلة، لا يكون عندهم من التمييز ما يعرفون به ما ينفع وما يضر، وإذا كانوا جهلة فإنهم سيطلبون من والدهم أشياء تكون سببا في الفساد، إذا رأوها عند غيرهم، فيقولون: يا والدنا، اسمح لنا أن نخرج إلى المنتزهات، نخرج حتى نرفه عن أنفسنا، وإلى الاستراحات، وإلى القهوات. ثم يتنزل على رغبتهم، إذا خرجوا فماذا تكون حالتهم؟ لا شك أنهم يفسدون؛ حيث إن تلك القهاوي، وتلك الاستراحات، وما أشبهها مليئة بالدخان، ومليئة بالغنا، ومليئة بالمخدرات، ومليئة -غالبا- بالخمور والمسكرات، وما أشبه ذلك، وقد يكون فيها فعل الفواحش، فيها فعل الزنا، أو لواط، أو نحو ذلك مما هو محرم، ولا يشعر أنه إذا أذن لهم أفسدهم وهو لا يدري.
كذلك أيضا بالنسبة إلى أجهزة الاستقبالات الفضائية، القنوات الفضائية، ينخدع كثير من الأولياء -أولياء الأمور- إذا رأى عند فلان، وعند فلان أنه أدخل هذا الجهاز في بيته، فيقول: سأدخله؛ حتى أتمتع بما يتمتعون به، وأنظر إلى هذه الصور، وأسمع هذه الأخبار، وما أشبه ذلك.
أو يكون أولاده قد رأوا مثل هذه الأجهزة، وهذه الدشوش رأوها في استراحات، أو رأوها في قهوات ونحوها، فلا يزالون يطلبون من ولي أمرهم أن زودنا بما كان عند آل فلان، وآل فلان، فلا يدري أنه في هذه الحال يسعى في إفسادهم، وفي إضلالهم، فنقول: إن هؤلاء يفسدون ذرياتهم وهم لا يشعرون.
كذلك أيضا لا شك أنهم إذا أرخوا لهم الأعنة، وتركوا لهم الحبل على الغارب، فصاروا يسيحون، ويترددون ويتسكعون في الطرق؛ فإنهم سيلقون من يفسدهم، وما أكثر آلات الفساد!، وما أكثر الدعاة الذين يدعون إلى الشرور، ويدعون إلى الفساد!، فيقعون في المنكر وهو لا يشعر، من ذلك: أنهم يسمعون الكلام السيئ فيتلقنونه، ربما أنهم يسمعون خلاطاءهم يسبون الدين، ويسبون المصلين، ويهزءون بالصالحين، فيكون ذلك ديدنا لهم، فيقعون في هذا الذي هو كفر، وضلال -والعياذ بالله-.
متى ينفطم الطفل الذي عمره عشرة سنين؟ مكث عشرا أخرى وهو يخالط فلانا الذي هو من أفسد الناس، ويخالط فلانا الفاحش، أو ما أشبه ذلك، فيتلقنون الكلمات البذيئة. لا شك أنه إذا تربى على سماع الشتم، واللعن، والقذف، والعيب، والكلام السيئ أنه لا ينفطم عنه –غالبا-.
وكذلك أيضا لا شك أنه إذا نشأ مع من يشككه في الصلاة فيقول: لا أهمية لها. ويرغبه -مثلا- في المسكرات، ويقول: رفه عن نفسك، وأطعم نفسك ما تشتهيه؛ فإن هذا شيء لذيذ. ويقول –مثلا- نعم نفسك بسماع هذه الكلمات الرقيقة، وهذه الأصوات الرخيمة. وما أشبه ذلك.
متى يصلح إذا نشأ عدة سنوات وهو يخالط من يفسده من هؤلاء؟
لا شك أن دعاة الشر كثيرون، وأنهم حريصون على أن يوقعوا من خالطهم في الشرور.
فمنهم من يكون قد ابتلي بمحبة سماع الغناء فيجذب هذا الطفل وهذا الطفل إلى أن يكونوا معه، ومنهم من ابتلي بشرب الدخان فيجتذب عشرات من الأطفال الذين يتصل بهم إلى أن يقعوا فيما وقع، فيكون الذنب ذنب الوالد الذي أهملهم، أو جلب لهم ما يفسدهم.
فنقول: إن على الوالد مسئولية؛ حيث إنه تسبب في إصلاح أو في إفساد ذريته، فعليه أن ينتبه لذلك.
كذلك أيضا لا شك أنه إذا لم يتعاهدهم ويراقبهم، وجدوا من يربيهم على غير التربية الصالحة، فمن ذلك: واجب عليه إذا بلغ الأولاد الذكور، وطلبوا النكاح وكان قادرا أن يعفهم وأن يزوجهم؛ فإن الدوافع كثيرة؛ لأن هؤلاء الأولاد إذا بلغوا وصاروا يشاهدون العورات، ويشاهدون الدعايات، ويسمعون الأغنيات، ويجالسون من يدفعهم إلى هذه المحرمات فلا يؤمن أن يفسدوا، وأن يقعوا في الزنا، أو مقدماته، ونحو ذلك.
والواقع يشهد بذلك.. فقبل ثلاثة أيام أو أربعة كنا في قرية من هذه القرى التي على الساحل، وكانوا -جزاهم الله خيرا- قد جعلوا مخيما دعويا، ثم جعلوا في جانبه تعليما فعليا؛ بحيث إن الذي يدخله ينظر نظر عين أسباب الصلاح، ثم ينظر في الوسط أسباب الفساد، ثم ينظر بعد ذلك أسباب الخلاص. صور –يعني- مثلوها، كان من جملتها: أن ذكروا أن شابا كان في ريعان عمره، أدخل أبوه في بيتهم جهاز هذا الاستقبال الذي هو الدشوش، وثارت الشهوة لما أنه يرى هذا المنكر، يرى هذا المنكر الكبير -والعياذ بالله- يرى الرجل يجامع المرأة، يرى عورة هذه المرأة، قد أبدت سوءتها، فلم يكن بد من أن تندفع به شهوته؛ حتى وقع على أخت له -والعياذ بالله-.
هكذا ذكروا ذلك، وذكروا أشياء تقشعر منها الجلود من آثار أولئك الدعايات، من آثار هذا الفساد.
فنقول: إن علينا أن ننتبه لمثل هؤلاء الذين يدعون هذه الدعايات، ويوقعون أولادنا في هذه المحرمات.
كذلك أيضا بقي كلمة، نأتي بها بعد الأذان.

line-bottom