إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
محاضرة واجب المسلم نحو أسرته
5106 مشاهدة
النفقة على الأبناء

كذلك أيضا بالنسبة إلى أولاده عليه -أيضا- أن ينفق عليهم النفقة المعتادة، على حسب عسره أو يسره، ولا يجوز له حبس النفقة عنهم، جاء في الحديث: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون وفي رواية: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يمون قوته الذين يقوتهم ويمونهم أولاده، وكذلك أحفاده، أولاد أولاده يحتاجون، وكذلك أبواه، وزوجاته، وإخوته الذين هم بحاجة إليه، فلا يجوز له أن يحبس عنهم قوتهم إذا كان قادرا، فهو مسئول عنهم ولا يضرهم.
لا شك أنه يبدأ بنفسه، ثم بعد ذلك بالأقرب فالأقرب، والأحق فالأحق، جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فعلى زوجتك، فإن فضل شيء فعلى أولادك إلى آخره، وقال: إن الزوجة تقول: أنفق علي وإلا طلقني. والولد يقول: إلى من تكلني؟! والمولى أو الرقيق يقول: أنفق علي واستخدمني .
فكلهم أنت مسئول عن النفقة عليهم، وهكذا حاجاتهم الدنيوية، الكسوة التي تناسبهم، والسكنى التي تصلح لهم، والتي يكونون من أهلها، هذا من واجبهم.
ثم إن الناس في هذا طرفان، ووسط.
فهناك من يسرفون -من يسرفون في النفقة- على أولادهم، وعلى زوجاتهم، فيفسدون كثيرا من الأموال، يفسدونها بحيث إنهم يشترون من الأطعمة ما لا يحتاجون إليه، وكذلك يشترون أشياء، ثم بعد مدة يرمون بها في القمامات إذا مضى عليها وقت قصير.
وكذلك أيضا إذا أصلحوا الأطعمة أكثروا منها، أكلوا شيئا يسيرا، ثم أفسدوا الباقي. ولا شك أن هذا خطأ، وأنه من الإسراف الذي نهى الله –تعالى- عنه.
وكذلك الطرف الثاني الذي هو التقتير والتقليل؛ بحيث إنه يقلل عليهم، فيكون قد أنعم الله عليه، ووسع عليه؛ ومع ذلك يقتر على أهل بيته، فلا يعطيهم إلا الشيء القليل، ربما أنه يعوزهم إلى أنهم يتكففون الناس، أو يسألون أقاربهم ما يكمل قوتهم، وربما يبيت بعضهم جياعا لا يجدون ما يعطيهم؛ مع أن والدهم عنده قدرة، وعنده ثروة. لا شك أن هذا خطأ.
وأن الوسط هو الواجب؛ ولذلك قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا إذا أنفقوا على أنفسهم، وكذلك إذا أنفقوا على أهليهم، أو على أضيافهم، أو نحو ذلك لم يسرفوا ويفسدوا الأطعمة، ويفسدوا المأكولات، ولم يقتروا: يقصروا، ويخلوا ببعض ما يجب، ويجيعوا أنفسهم وأهليهم، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا القوام: هو الوسط –يعني- خير الأمور أوساطها.
وهكذا أيضا بالنسبة للكسوة، فبعضهم يمنع أولاده، وزوجاته، ونحوهم، فلا يعطيهم الكسوة إلا رخيصة دنيئة، أو خلقة، أو نحو ذلك؛ مع قدرته على أن يعطيهم، وعلى أن يكسوهم الكسوة الملائمة، فيعتبر بذلك مقصرا ومخلا.
وآخر يسرف، أو يعطي زوجته ما طلبت، فربما تشتري كسوة بألف، أو بألفين، أو بخمسة ألاف -كما ذكر ذلك كثيرون- وربما أنها تشتري كل شهر، أو كل شهرين، أو في كل مناسبة، ثم تتراكم عندها تلك الأكسية، فربما يكون عندها عشرون ثوبا، أو أربعون، أو نحو ذلك.
فهؤلاء أسرفوا وهؤلاء قتروا وخير الأمور أوساطها.
فهذا بعض من الواجبات الدنيوية التي هي من حق المسلم، من حقهم على ولي أمرهم، والذي يكون مسئولا عنهم، وإن كان هذا بالطبع معمول به، بمعنى: أنهم يعملون بالنفقة، والإنسان يجمع المال، ويقول: أنفقه على نفسي وعلى أهلي؛ ولكن الكثير منهم قد يغلبه البخل؛ فيمسك المال، ويقتر على من هو مسئول عنهم.
وآخرون يكون الله –تعالى- قد أنعم عليهم، وأعطاهم سعة من المال؛ ومع ذلك يبخلون بالصدقات، ويبخلون بالنفقة في وجوه الخير؛ ولكنهم -مع ذلك- يسرفون، يسرفون على أنفسهم في النفقات، فنقول: إن هؤلاء على خطأ، وإنهم يقتصدون في النفقة على أنفسهم وعلى أهليهم، وما فضل عندهم من المال، أو كان عندهم من الزيادة فإنهم يتصدقون به، وسوف يجدون فقراء ومعوزين كثيرا هم بحاجة إلى التوسعة، وبحاجة إلى الصدقة، أو يجدون وجوها يستحق أن ينفق فيها من وجوه البر والخير. ننتهي من هذا القسم.