الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
محرمات متمكنة في الأمة
21073 مشاهدة
محرمات متمكنة في الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله وأشكره وأثني عليه وأستغفره وأتوب إليه وأذكره، وأسأله سبحانه أن يغفر لنا الذنوب والخطايا، ويتجاوز عن المعاصي والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا ظهير ولا معين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهو محمد بن عبد الله، الذي بشر وأنذر وخوف وحذر الأمة من صغائر الذنوب وكبائرها -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره وتمسك بهداه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد :
فإن ربنا تبارك وتعالى خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده وطاعته، وحرم معصيته ومخالفته، ووعد من أطاعه بالجنة والأجر العظيم، وتوعد من عصاه وخالف أمره بالنار والعذاب الأليم، وفرض على أنبيائه ورسله أن يبينوا للأمم تفاصيل الطاعات والمحرمات وما يترتب على فعلها من الثواب والعقاب، وبعد أن وَضَحَ الحق واستبان وعرف الناس الواجبات والمحظورات لم يبق للناس على الله حجة ولا اعتذار، فمن تمسك بالحق ودان لله تعالى بالعبودية وأذعن لأمره واستكان وتقرب إليه بالحسنات وحفظ نفسه عن السيئات فهو السعيد الفائز برضى الله تعالى وثوابه، ومن عصى وعتى وتمرد وخرج عن الطاعة وتجرأ على المحرمات فهو الشقي الطريد المبعد عن رحمة ربه وفضله.
وذلك أن الله تعالى من حكمته قد حف الجنة بالمكاره، وحف النار بالشهوات، فمن صبر على الطاعات وألزم نفسه بالمكاره من العبادات وتحمل في طاعة ربه المشقات والصعوبات فهو من أهل السعادة والفلاح وجزيل الثواب، ومن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني وانساق نحو شهواته وملذات نفسه وانخدع بالمغريات البراقة ولم يتمعن فيما وراء هذه الشهوات من العاقبة السيئة فهو من أهل الشقاء والحرمان وشديد العقاب.
ومن حكمة الله تعالى كما حف النار بالشهوات أن مكن للعصاة وأمهلهم وعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وأعطاهم من زهرتها وزينتها، فاعتقد الغوغاء والعامة أنهم من ذوي الحظ العظيم، وأن إكرامهم في الدنيا دليل فضلهم وأقدميتهم رغم ما يجاهرون به من المعاصي، وما يفرطون فيه من الطاعات، فسار الأكثرون خلفهم، وأمعنوا في تقليدهم مما كان سببا في ظهور المعاصي والمجاهرة بفعل المحرمات بدون خجل ولا مبالاة، فظهر التبرج والسفور ووسائل الزنا والفواحش، وكثرت بيوت الدعارة والفساد وشربت الخمور، وأعلن شرب الدخان وتعاطي المخدرات، وتفنن الكثير في السرقة والاختلاس وانتهاب الأموال وأكلها بغير حق، وكثر التعامل بالربا والغش والمخادعة والرشوة والاحتيال على تحصيل المال بأنواع الحيل، وتهاون الكثيرون بالصلاة والصوم والأعمال الصالحة، فكان لزاما على أهل العلم أن يبينوا للناس خطر ما وقعوا فيه، وأن يحذروهم عاقبة التهاون بالمحرمات.
وكنت قد ألقيت محاضرة حول بعض المعاصي المتفشية في هذه البلاد خاصة، وسجلها بعض الإخوان ثم أفرغها الأخ علي بن حسين أبو لوز وعرضها علي فصححتها، وقد أضاف إليها بعض التعديلات، وأذنت بنشرها على ما فيها من ضعف التركيب وعدم التنسيق الذي اقتضاه الارتجال، وأرجو من الإخوان أن ينبهونا على ما فيها من خلل وخطأ فالمؤمن مرآة أخيه، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين