جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
مسألة محيرة
10755 مشاهدة
الجبرية

  القسم الثاني : غلبوا قدرة الله وهم الجبرية الذين لم يجعلوا للعبد أية قدرة، بل جعلوه مجبورا على حركاته وعلى أفعاله، وليست له أية أفعال، ولا تنسب إليه أية أقوال، بل إن حركاته بمنزلة حركة الشجر التي تحركها الرياح، أو حركة المرتعش الذي ترتعد يداه، ولا يقدر على أن يمسكهما، فجعلوه مجبرا على فعله، ولم يجعلوا له أي اختيار في ذلك، ويقول قائلهم:
ألقـاه في البـحر مكتوفا وقـال لـه إيـاك إيـاك أن تبتـل بالمـاءِ!!
ويقول آخر:
وضعوا اللحم للبزاة على ذروتي عدن  ثم لاموا البزاة إذ أطلقوا لهن الرسن
لــــو أرادوا صيــانتـــي ستـــروا وجهــك الحســن
فكأنهم يقولون: إن الله هو الذي أوقع العبد في المعصية، وهو الذي حرك أفعاله، فإذن تعذيبه له يكون ظلما ، فليس للعبد أي اختيار!! ولا شك أنهم مخطئون.
ولا بأس أن أعلق على أقوالهم وإن كان الكلام يستدعي طولا، فأقول:

إن هؤلاء متناقضون؛ ذلك لأنهم لا يستمرون على فعلهم، بل إنهم لا يعتمدون عليه في كل الأحوال، ولا يحتجون بالقدر في كل حال من الأحوال.
ونقول لهؤلاء: إذا كان الحال كذلك فلا تطلبوا المعيشة ما دام أن الله قدر لكم رزقا، فإنه سيأتيكم به، اجلسوا في بيوتكم ولا تتكسبوا، ولا تحرثوا، ولا تزرعوا، ولا تتاجروا، ولا تتعلموا، ولا تعملوا، أي عمل! بل لا تأكلوا، ولا تشربوا، ولا غير ذلك، فإذا كان الله قد قدر لكم ذلك، فإنه سيأتيكم ويصل إليكم!
فلو قلنا ذلك لهم لما امتثلوا، فدل ذلك على أنهم متناقضون.

فما دام أنك تقدر، وأنك تقلب في أمور الدنيا، فلماذا لا يكون لك القدرة على الأعمال الصالحة، مثل العبادات والطاعات والحسنات والقربات ونحوها؟!
كذلك أيضا نقول لهم: إن هذا كله بقضاء وقدر، ولكن لكم أفعال تستطيعون بها أن تنسب إليكم، فقد روي أن عمر -رضي الله عنه- رفع إليه سارق، فلما أراد أن يقطع يده قال السارق: يا أمير المؤمنين، هذا قدر، فالله قدر علي هذه السرقة. فقال عمر -رضي الله عنه- أنت سرقت بقدر الله، ونحن نقطع يدك بقدر الله. فإذا كان هذا بقدر، فهذا أيضا بقدر!
كذلك ذكر أن رجلا كان يقود أعمى، فجعل يقوده بعنف، وجعل يعثر به في الحفر، وفي الحجارة، ونحوها ويقول: هذا بقدر! هذا مقدر! ثم إن الرجل الأعمى ضربه بعصاه بقوة، فقال: هذا أيضا بقدر، فإذا كان تعثرك بي وتعمدك بي بقدر، فأنا أضربك بقضاء وقدر!
ونقول لهؤلاء أيضا: إن العقوبة التي رتبها الله تعالى على هذه الأفعال، لا شك أنكم تستحقونها؛ لأن الله رتب على من فعل كذا عقوبة كذا، فالعقوبة على أفعالكم بقضاء وقدر.