الإعلام بكفر من ابتغى غير الإسلام
الحكم بالنار على من مات قبل الرسالة
السؤال: ورد بأن أهل الفترة يختبرون، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم حَكَمَ على بعض من مات قبل الرسالة بالنار فعندما سأله رجل عن أبيه فقال: أبوك في النار، ثم قال له: إن أبي وأباك في النار فكيف حكم عليهم بأنهم من أهل النار مع أنهم ماتوا قبل مجيء الرسالة؟ أليسوا من أهل الفترة ؟
سؤال> الجواب:
وردت أحاديث كثيرة في امتحانهم في الدار الآخرة ذكرها ابن كثير اسم> في تفسير قوله تعالى: رسم> وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قرآن> رسم> و ابن القيم اسم> في كتابه: طريق الهجرتين في الطبقة الرابعة عشرة من طبقات المكلفين وأشهرها حديث الأسود بن سريع اسم> الذي رواه الإمام أحمد اسم> بسند صحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع، ورجل هرم، ورجل أحمق، ورجل مات في الفترة وفيه: فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسول أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم رواه عن أبي هريرة اسم> وقال في آخره: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها رد إليها رسم> .
ومنها حديث أبي سعيد الخدري اسم> رواه محمد بن يحيى الذهلي اسم> والبزار اسم> عن عطية العوفي اسم> عنه، قال: رسم> قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهالك في الفترة، والمعتوه والمولود يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب، ويقول المعتوه: رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا، ويقول المولود: رب لم أدرك العقل، فترفع لهم نار فيقال لهم: ردوها، قال: فيردها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل، فيقول: إياي عصيتم فكيف لو أن رسلي أتتكم وفي رواية البزار اسم> فكيف برسلي بالغيب رسم> قال البزار اسم> لا يعرف إلا من طريق عطية اسم> عنه.
ومنها حديث معاذ بن جبل اسم> ذكره عن محمد بن المبارك الصوري اسم> بإسناده عنه مرفوعا: رسم> يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد مني، وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك، فيقول الرب عز وجل: إني آمركم بأمر فتطيعوني فيقولون: نعم، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، قال: ولو دخلوها ما ضرتهم، فتخرج عليهم قوابض فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك، فيقول الرب عز وجل: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار رسم> وفي إسناده ضعف، لكن يتقوَّى بالشواهد والطرق الأخرى والأحاديث التي ذكرها ابن كثير اسم> وغيره،فهذه الأحاديث بمجموعها تثبت جنس الامتحان في يوم القيامة، حتى لا يعذب الله تعالى من لا يستحق العذاب.
وقد نقل ابن القيم اسم> و ابن كثير اسم> عن ابن عبد البر اسم> أنه قال: أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها اهـ، وأجاب ابن القيم اسم> بوجوه: منها : أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها، بل صححوا بعضها، فحديث الأسود اسم> رواه أحمد اسم> و إسحاق اسم> و ابن المديني اسم> فهو أجود من كثير من أحاديث الأحكام، ومنها : أن أبا الحسن الأشعري اسم> حكى هذا المذهب عن أهل السنة، فدل على أنهم عملوا بالأحاديث، وذكر البيهقي اسم> في الاعتقاد له أن بعض الأئمة نصوا على الامتحان، وقالوا: لا ينقطع إلا بدخول دار القرار، ومنها : ما في الصحيح: في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وأنه يعطي ربه عهودا ومواثيق أن لا يسأل غير ما سأل، ثم يسأل، فيقول الله له: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك فالغدر مخالفة للعهد الذي عاهد عليه ربه.
ومنها : قوله تعالى: رسم> وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ قرآن> رسم> فهو صريح في أن الله يدعوهم إلى السجود في القيامة، وأن الكفار لا يستطيعونه إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، فأما الذين جزم لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم من أهل النار، فلعله قد اطلع على ذلك كما تقدم أنه رأى عمرو بن لحي اسم> يجر قصبه في النار، أي أمعاءه؛ لأنه أول من غيَّر دين إبراهيم اسم> وهكذا قوله في حديث ابن مسعود اسم> عند أبي داود اسم> رسم> الوائدة والموؤودة في النار رسم> ، وفي رواية: رسم> إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم رسم> ذكره ابن كثير اسم> وقال: إسناده حسن .
وحيث إن مشركي العرب رأس> عندهم بقية من دين إسماعيل اسم> ولكنهم قلدوا آباءهم في الكفر وعبادة الأصنام، فلا مانع من تعذيبهم على ذلك، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار، فإن كان منهم من لم تقم عليهم الحجة، وعاش في جهل وَبُعْدٍ عن شرع الله، ولم يتمكن من البحث عن الدين الصحيح، فله حكم أهل الفترة، وحكم أولاد المشركين.
وأما من كان قادرا على البحث وقد أعطاه عقلا وإدراكا وعنده آثار وبقايا من دين إبراهيم اسم> و إسماعيل اسم> وأصر على عبادة غير الله وهو يعترف بأن الله تعالى هو الرب خالق كل شيء، بما تلقاه عن آبائه وأجداده، ومع ذلك يخلص العبادة لله وحده إذا كان في لجة البحر ويعلم أنه لا ينجي منه إلا الله تعالى، ثم يعود إلى الشرك، كما هو حال مشركي العرب، فلا مانع من أن يجزم لهم بأنهم من أهل النار إذا ورد فيهم حديث ينص على ذلك، والله يحكم بين عباده، ولا يظلم ربك أحدا، ولا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعترف على نفسه كما حكى الله عنهم قولهم: رسم> وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ قرآن> رسم> .
فهذا ما ظهر لي، ومن لديه جواب غير هذا وله وجه من النظر فله أن يقول به، وقد كتب السيوطي اسم> رسالة في نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وهي مطبوعة في الحاوي ، ولكنه تكلف فيها وردَّ الأحاديث الصحيحة، وأنكر عليه شيخنا عبد العزيز بن باز اسم> وغيره، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
مسألة>