إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
الربا وما يتعلق به من أحكام
7560 مشاهدة print word pdf
line-top
قلب الدين

ومما يُبحث فيه أيضا ما يفعله بعض الناس، وهو ما يسمى: بقلب الدَّيْن، فإنه قد يكون ربا صريحا؛ وذلك لأن بعض الأثرياء والأغنياء إذا كان له دين على فقير ألح عليه، وقال: أعطني أعطني، فإذا اضطر ذلك الفقير استدان منه مرة ثانية، وطلب الدين عليه، وتضاعف الدين، يأتي إليه ويقول: في ذمتي لك مائة ألف ولا أقدرها؛ فبعني سلعة بمائة ألف أبيعها عليك، أو على غيرك بكذا وكذا؛ فيضطره إلى أن يشتري منه سلعة بمائة ألف فيبيعها، ويعطيه قيمتها، فتكون تلك السلعة التي باعها بمائة ألف أصبحت مائة وعشرين، وهكذا يتضاعف.
نقول: إن هذا مخالف لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ يعني: فأنظروا المعسر واصبروا عليه إلى أن تأتي الحالة التي يجد فيها، ويكون ذا ميسرة.
فليتجنب المسلم هذه المعاملات التي فيها شيء من الاشتباه؛ حتى يسلم له دينه وعرضه، ونستمع بعد ذلك إلى أسئلة الحاضرين.
جزى الله فضيلة الشيخ على ما أبداه، وأوضحه حول ما يتعلق بالربا، وبالتعامل معه، وبانصراف كثير من الناس حول البنوك الربوية، وأصبح قَلّ من الناس من لا يتعامل مع تلك البنوك، أنى كانت تلك البنوك ما دامت تتعامل بالربا، ولهذا نرى كثيرا من الناس وجدت تلك البنوك في أوطان المسلمين، وانتشرت لما انصرف الناس حول جمع الدينار، والدرهم، وأصبح هم كثير من الناس أن يجمع المال من أي طريق كان، سواء كان ذلك المال من طريق حلال، أو من أي طريق من الطرق المحرمة، ولهذا أصبح كثير من الناس يرى أن المال ليكون حلالا متى حل في يده، مهما كان ذلك المكسب خبيثا، فإنه عنده يرى أنه مال حلال ما دام قد أقدره الله عليه، وقد استمسك به في يده.
ولهذا نرى أن الإسلام قد حد على المسلم أن يتصرف في أمواله بما يريد؛ بل إنه ينبغي له أن يسير على ضوء الإسلام، وعلى ضوء ما حدده الله، أو بينه رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن الإسلام قد شمل جميع أمور الدنيا، سواء كان فيما يتعلق بالحقوق الشخصية، أو فيما يتعلق بالأموال، أو فيما يتعلق بشتى مجالات الإنسان، ففي المال ينبغي للمسلم أن يتورع أن يدخل في المعاملات الربوية، أو أن يدخل في معاملات محرمة: من كسب مال خبيث ربما يردي بصاحبه إلى النار -كما سمعنا- كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به .
وهنالك أسئلة كثيرة ترد على الناس، أو ترد في أذهان كثير من الناس، ما دامت بنوك الربا قائمة نراها في بلاد الإسلام، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتحرز أن يتعامل في تلك البنوك، أو أن يساهم فيها، أو أن يشترك فيها بوجه من الوجوه؛ حتى يقاطع أهل الشر، وأهل المنكر، وأهل المعصية؛ وهكذا أمرنا الإسلام أن نبتعد عن تلك مواطن الشر، ومواطن المعاصي؛ حتى لا يعمنا الله، أو نعم بذنبهم، أو بشؤم معصيتهم بعقوبة الله سبحانه وتعالى.
س: من ضمن تلك الأسئلة، يسأل رجل يقول: إن له أخا يعمل في البنوك الربوية مديرا لفرع من الفروع، وليس له مرتب إلا ذلك، أو ليس له دخل من المال إلا راتب ذلك البنك الربوي، فهل يجوز له أن يأكل معه، وأن يجالسه، ويشرب من ماله الخاص الذي يأخذه من هذا البنك، أم لا يجوز ؟ أفتونا مأجورين .
أفتى المشائخ أن العمل في البنوك -وهي على هذه الحال - لا يجوز؛ ما دام أنهم يتعاملون بالربا الصريح، الذي هو: الزيادة على المستقرض، وإعطاء المقرض والمودِع ربا وفائدة، فإن العمل فيها لا يجوز، أيا كان ذلك العامل، سواء كان كاتبا، أو محاسبا، أو أمينا، أو مديرا، أو حتى ولو فراشا، أو خادما؛ لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، من باب المعاونة لهم، والله تعالى قد نهى عن ذلك بقوله: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
ما دام الأمر كذلك لحال أخي السائل، فنقول: الأولى لك أن تنصحه؛ حتى يغير ويبدل، وينتقل عن هذه الوظيفة؛ فسيجد غيرها ما يقوم مقامها، أو أحسن، فإذا لم يفعل فإن كسبه إما حرام، وإما مشتبه، فمن الورع ألا تأكل من كسبه، ولا تقبل شيئا من ماله كهدية، أو نحوها، وإن كان يرخص في الأشياء التافهة واليسيرة، كشرب ماء، أو قيلولة عنده، أو جلوس في مجلسه، وتهوئته، أو ما أشبه ذلك، فأما شيء محسوس يؤكل، ويكون له قدر، أو هدية يعطيك إياها، فننصحك ألا تقبله؛ رجاء أن يكون ذلك زاجرا له عن هذا العمل، وسيجد غيره خيرا منه.
س: نرى كثيرا من التجار يتعاملون بمعاملة التورق أو الدينة، نريد توضيح هذه المعاملة، والفرق بينها وبين العينة، ثم نود أن ينصح أولئك التجار الذين لا يتعاملون بمسألة التورق تعاملا حقيقيا؛ بل إنهم ربما يضعون الصناديق، ثم تبقى هذه الصناديق إذن في مكان قريب من سنة، أو سنتين لا تنقل من محلها، ويتعمدون وضعها في هذه الأماكن، حيال سنة، أو سنتين في هذا المكان، لا تنتقل من مكانها.
.... خصوصا إذا مال إلى نقود، ولا يجد من يقرضه، لا يجد من يعطيه قرضا، فيضطر إلى الاستدانة إلى أن يستدين مالا، وننصح أولا نقول: إذا كنت كذلك فمن الأفضل أن تشتري من صاحب المال، أن تشتري السلع التي أنت محتاج إليها للاستعمال؛ حتى لا يكسب عليك مرتين، فإذا كنت مثلا: محتاجا إلى نقود لتشتري سيارة، فاشتر سيارة دينا، فهو أولى لك من أن تشتري مثلا طعاما، ثم تبيعه وتخسر فيه، ثم تذهب وتشتري سيارة، فيربحون عليك مرتين، قل لهذا التاجر: أريد سيارة، فيشتري لك سيارة، ويبيعك إياها دينا، ونحو ذلك، إذا كنت مثلا: تريد المال لأجل بناء، ونحوه؛ لتعمر بيتا، ونحوه؛ فإنه يشتري لك الأدوات التي أنت بحاجة إليها، ويبيعك إياها دينا، فيشتري لك مثلا: الأسمنت والحديد والبلاط، وما أشبه ذلك، يشتريه هو، ويبيعك إياه دينا، ويربح عليك فيه ربحا عاديا، فتسلم من أن تخسر مرتين؛ حتى لا تقع في شبهة، ولا تقع في ضرر متكرر.
كذلك أيضا قد تحتاج إلى النقود؛ لأجل أن تشتري مثلا سلعا للزواج ونحوه، تشتري أثاثا، أو تشتري ثيابا، أو نحو ذلك، ففي هذا أيضا عليك أن تطلبه يشتريها لك، ويبيعك إياها كذا وكذا ثوبا، وكذا وكذا عباءة، وكذا وكذا فراشا، وهكذا يشتريها، ويبيعك إياها دينا؛ حتى لا تتضرر مرارا، هذا هو أرفق بك، هذه واحدة.
..الحالة الثانية: أن يضطر الإنسان إلى نقود؛ لوفاء غريم له ملح في طلب دينه، ولا يجد ما يعطيه، إلا أن يستدين من آخر، فنقول: إنه لا يجوز لصاحب الدين أن يلح ويظل، ولكن قد يكون محتاجا، وشديد الحاجة إلى ماله، فيلح عليك وأنت في أمل أن يأتيك مال، أو يصرف لك إعانة، أو نحو ذلك.
نقول: إذا أردت الاستدانة فكيف تفعل ؟ وهذا ما يسمى: بالتورق، الذي هو شراء سلعة لأجل بيعها والانتفاع بثمنها.
فأولا: عليك أن تشتري من ذلك الغريم الذي سيدفع إليك المال، تشتري منه سلعا مفيدة، يمكن أن تروج وتشترى؛ حتى لا تخسر فيها مرارا، فتقول: أنا أريد عوض ألف، أعطني به سلعا تربح، فإذا قال: الألف هاهو موجود، في أي شيء أجعله؟ لا يجوز أن أعطيك ألفا بألف ومائتين دينا؛ لأنه عين الربا، أنا أعطيك إياه بسلع، أشتري لك به مثلا مائة ثوب، أو مائة عمامة، وأبيعك إياها، أشتريها بألف، أبيعك إياها بألف ومائتين، تأخذ هذه العباءات، تأخذ هذه الثياب، وهذه العمائم، وتبيعها بالتفريد أنت؛ حتى ربما تستفيد، ربما يكون رأس مالها بالإجمال ألفا نقدا، وعليك ألف ومائتان دينا، وإذا بعتها بالتفريق ربما تكون تربح فيها، وتكون بألف، وثلاثمائة، أو نحو ذلك، فلا يكون عليك ضرر في هذا، تقدر على أن تفرقها، تبيعها على فلان خمسا، وعلى فلان واحدة، وعلى فلان عشرة، تسير بها في القرى، أو في الدكاكين، أو نحو ذلك؛ حتى لا تتضرر.
وكذلك أيضا لو مثلا اشتريت، باعك مثلا خمسين كيسا من الأرز، أو نحوها، باعك إياها بألف ومائتين، وهو اشتراها بألف، فإنك تحملها على سيارتك، وتسير بها على أهل الدكاكين، وأهل البيوت، فهذا يشتري كيسا، وهذا يشتري اثنين، أو ثلاثة، فربما يكون ثمنك الذي بعتها به مقاربا لما اشتريتها به، فلا تخسر إلا قليلا، هذا هو النصيحة الثانية التي يكون فيها رفق بالمستدين، لا يكون عليه خسران مبين .
أما إذا تعاجلت، وقلت: كيف أصبر على تحميلها ؟! وكيف أصبر على تفريقها وبيعها؟! أنا أريد دراهم حالة بيدي الآن، لست من الذين يصبرون على التفريق، وعلى البيع، فإنه لا يجوز لك حينئذ أن تعمل هذا العمل إلا بشروط.
أولها: أن يكون الاتفاق على السلع، أن يكون الاتفاق على السلع كأن يكون مثلا ثمن السلعة -ثمن الكيس- مثلا مائة، فتقول: اشتريت منك هذا الكيس بمائة وعشرين دينا، يقول: بعتك إياه بمائة وعشرين دينا لمدة سنة، يكون الاتفاق على الكيس، لا أن يقول مثلا هذا الألف الذي سأشتري به هذه الأكياس عليك بألف ومائتين، لا بل يكون الاتفاق على كل سلعة، على كل كيس ربحه كذا وكذا، أو قيمته كذا وكذا؛ حتى لا تقول: في العشر عشر، وفي العشر اثنا عشر، أو في المائة عشرون، أو في الألف مائتان، أو ثلاثمائة؛ بل يكون قيمة السلعة فيها ما فيها من الربح، هذه واحدة.
الثانية: أنه لا بد من الاستلام والحوز؛ فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تباع السلع حيث تبتاع؛ حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فصورة ذلك أنكم قد تكونون ثلاثة: أنت أيها المستدين، وصاحب النقود الذي سيدفعها عليك بربح، وصاحب الطعام الذي يبيعه، فيأتي صاحب الطعام، ويقول: أريد قيمة هذا الألف من هذا الطعام، من هذه الأكياس، ونحوها؛ فأعطني بهذا الألف، فيقول: عشرة هذه الأكياس بألف، فيدفعها إليه، صاحب النقود قد اشترى هذه الأكياس بألف، وسيبيعك إياها، لا يبيعك إياها وهي في موضعها حتى يحوزها، ويزحزحها، وينقلها إلى مكان آخر، فإذا نقلها قال: هذه الأكياس بعتك إياها بألف ومائتين، أو نحو ذلك، قلت: نعم، قد اشتريتها بألف ومائتين دينا لمدة كذا وكذا، فيكتب بينكما كاتب، فإذا أردت أن تبيعها لا قدرة لك على تفريقها، قلنا: لا تبعها وهي في موضعها أيضا، بل انقلها لنفسك، انقلها في مكان آخر، أنت أيها المستدين أجر من ينقلها، ويحوزها إلى مكان آخر، فإذا نقلتها، وصارت في مكان خاص، فهنالك تقول: من يشتري؟
يشتريها صاحب الدكان الذي باعها أولا، أو يشتريها غيره، إلا أنه لا يشتريها الذي دفعها إليك دينا، فهذه هي الصورة التي يكون الإنسان بها بعيدا عن الشبهات، وإن كان فيها نوع من التساهل؛ لكنها أسلم من غيرها.
أما كون الإنسان يبيعها، وهي في موضعها مرتين أو ثلاثا، فإن هذا لا يجوز؛ لمخالفته النهي الصريح نهى أن تباع السلع حيث تبتاع؛ حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، نهى البائع والمشتري.
كذلك أيضا ما ذكره الأخ أن بعضهم عنده صناديق فارغة، يقول: إن فيها خاما، إن فيها قماشا، ثم يقول: بعتك هذا الصندوق بألف ومائتين وهو فارغ، مثل هذا أيضا احتيال على الحرام، لا يجوز؛ وذلك لأنه لابد من تحقق السلع ومعرفتها، معرفة أن هذا الكيس فيه طعام، أو به بر مثلا، أو أن هذا الرباط فيه قماش، أو فيه فراش، أو فيه عباءات، أو فيه عمائم، أو ما أشبه ذلك، ومعرفة نوع كل سلعة؛ حتى لا يكون الإنسان مخادعا لله .
س: لو حملت ممكن يقدر قيمة السيارة التي يشتريها علي.
وأما إذا احتجت إلى سيارة، فلا بأس أن تتفق وإياه على الربح، وتقول: إذا اشتريتها مثلا بعشرين ألفا، فأنا أدفع لك، أعطيك فيها فائدة ألفين، أو ثلاثة، أو خمسة -حسب ما تتفقون عليه- فإن ذلك جائز، ولو لم يكن قد اشتراها، والأفضل أنه عندما يشتريها هو يقدر فائدة، ويقول: ما تناسبني إلا بفائدة كذا وكذا.
وكذلك نقول أيضا في شراء السيارة: أن بعضهم قد يبيعها في موضعها، وهذا أيضا لا يجوز، يعني: أن صاحب المعرض يبيعها على صاحب النقود -وهي في موقفها- بعشرة آلاف مثلا، وصاحب النقود يبيعها باثني عشر على المستدين -وهي في موضعها- والمستدين يبيعها على غيره، أو على صاحب المعرض بتسعة آلاف وتسعمائة مثلا -وهي في موضعها- وهذا لا يجوز، لا بد من حوزها، لا بد أن صاحب النقود اشتراها من صاحب المعرض ويشغلها، ويخرجها ويجربها، ويسير عليها قليلا، ثم يفحصها، ثم بعد ذلك يبيعها على المستدين، المستدين أيضا كذلك يمشي عليها، ثم إذا مشى عليها مكانا -ولو قليلا- أظهر أنه يبيعها؛ حتى لا يبيعها في موضعها الأول.
س: هناك سؤال حول هل يجوز مبايعة، أو بيع سندات الأسهم التي في الشركات مع تبيين ناحية الربوية فيها ؟ هل هناك مجال للربوي، أو هي بيع نقد بنقد، أو بيع منفعة بنقد؟ مع بيان ذلك من الجهة الشرعية، وهل هنالك ربا؛ حتى يحذره الناس ؟
الأسهم إذا كانت في سلع بينة جاز بيعها، كأن تكون أسهما في أرض واضحة، لك فيها مثلا قيمة ما قيمته كذا وكذا، أو ما مقداره كذا مائة متر، أو مائتين يمكنك أن تبيعها، ولو لم تعلم عين الذين كأنهم في هذه الجهة، أو في هذه الجهة، كذلك سهمك في هذه العمارة، أو سهمك في هذا البستان، وكذلك أيضا سهمك في هذه المقالة التي قد عرف محتواها، وما فيها لك نصفها، أو عشرها، يجوز أن تبيع السهم في هذه الحال.
أما الأسهم في الشركات فإذا كانت الشركة قد وضعت رأس المال في سلع، وعرفت تلك السلع، يعني: جعلت رأسمالها في مائة سيارة مثلا، ومائة وخمسين محركا، وخمسين أو عشرين خلاطا، أو نحو ذلك، وعرفت تفاصيل ذلك، لك مثلا فيها واحد في الألف، أو واحد في المائة جاز لك أن تبيع سهمك في هذه الشركة، التي ممتلكاتها قد أصبحت معروفة، معلومة.
فأما السهام المشتبهة التي لا يدرى ما رأسمالها، ولا يدرى أيضا ما ربحها، وربما يكون رأسمالها كله نقودا، فإن بيعها - والحالة هذه - محظور لأمرين، الأول: الجهالة؛ لأنا لا ندري ما مقدار سهمك الذي فيها، ولا ندري ما ممتلكات هذه الشركة، فقد يكون ممتلكاتها كثيرة، لا نحصيها عددا.
والأمر الثاني: أنه ربما يكون من ممتلكاتها نقود، فأنت تبيع نقودا بنقود، وهذه هي المسألة التي ينهى عنها لأجل أن فيها بيع شيء ربوي بجنسه، ومعه غيره، ويسميها الفقهاء مسألة مد عجوة، كأن يبيع طعاما ودراهم بدراهم، أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز، وبكل حال إذا كان للإنسان سهم في شركة من الشركات التي إما أنها ربوية، وإما أن فيها شيئا من المشتبه، وأراد أن يبيعه، فإذا باعه بأكثر كما أنه قد يكون السهم رأسماله مائة، ويبيعه بألف، فهذا الربح الذي ربحه وهو: تسعمائة؛ الأولى له أن يتصدق بها ويقتصر على ماله، يعطيها المساكين، أو المستحقين؛ حتى لا يأخذ شيئا مشتبها.
وأباح له بعض العلماء أن يأخذ بقدر الربح الصحيح، إذا عرف أن هذه الشركة تتعامل معاملات صحيحة، ومعاملات مشتبهة، ومعاملات ربوية، فيقدر أن المعاملات الصحيحة قدر الثلث، والمعاملة الباقية مشتبهة ومحرمة، فأباحوا له أن يأخذ قدر الثلث من الربح مثلا، مع أن الاحتياط التورع عن هذا كله .
جزى الله الشيخ على ما أبداه، وأوضحه، وفصله من أمور الإسلام، وجعلها الله في موازينه، وننبه على مسألة مهمة، وهي كثير من الناس ربما قد يجهل هذه المسألة، وهي: أن بعض الناس -هداهم الله- حينما أعلن عن أسهم في البنوك الربوية بادر كثير من التجار -هداهم الله- في المسارعة، والمسابقة إلى شراء هذه الأسهم، والله سبحانه وتعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وذلك من التعاون على العدوان، وعدم اتباع لأوامر الله، وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن المسلم سيسأل عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ حتى وإن كان درهما صغيرا، ويراه في نفسه حقيرا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا اجتماعا مرحوما، وتفرقنا تفرقا معصوما، وألا يجعل فينا شقيا، ولا محروما، ونفعنا الله وإياكم بما سمعنا، وجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه، ...وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعه على هدى إلى يوم الدين.

line-bottom